الأربعاء 24 ديسمبر 2025 م - 3 رجب 1447 هـ
أخبار عاجلة

الارتقاء بالأخلاق والسلوك فى ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية «35»

الأربعاء - 24 ديسمبر 2025 01:06 م

إن خلق التوكل على الله سبحانه وتعالى من الأخلاق والصفات التى يحبها الله سبحانه وتعالى، والتوكل يصحبه عمل وأخذ بالأسباب، وقد يخرج رجل إلى مكان بعيد يغلب على ظن العاقل أن هذا المكان ليس فيه الطعام والزاد وهذا الرجل لا يأخذ معه طعامًا ولا زادًا ويقول: إنى متوكل وهذا فهم خاطىء فهو كالمجرب على الله سبحانه وتعالى أى الممتحن لهـ فكأنه يجرب قدرة الله تعالى والله أمره بالتزود، فإن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لما سافر تزود واستأجر دليلًا إلى المدينة، فهو يعلمنا (صلى الله عليه وسلم) حقيقة الأخذ بالأسباب مع كامل التوكل على الله سبحانه وتعالى، ومما يظنه بعض الناس وقد كثروا فى هذا الزمان أن ترك التكسب والسعى له والعمل من أجله أن هذا توكل على الله، فهم فى حقيقة الأمر آثروا الراحة وتعللوا بالتوكل، وما أقبح ما يفعل هؤلاء فى حين أن كثيرًا من غير المسلمين فى أنحاء العالم ملأوا الأرض عملًا وسعيًا وإنتاجًا وتقدوا وصنعوا وزرعوا واخترعوا وأنتجوا وصدروا السلع والمنتجات وامتلأت خزائنهم بالأموال وامتلكوا القوة لأنهم عملوا وسعوا وأخذوا بالأسباب واستفادوا بعقولهم التى منحها الله إياهم واستفادوا بالثروات الطبيعية التى أوجدها الله فى بلادهم، فما أحرى أن ينهض المسلمون ويسعوا، وقد قال عمر ـ رضى الله عنه:(المتوكل الذى يلقى حبة فى الأرض ويتوكل على الله)، ومن الأسباب النافعة حفظ الأموال والأقوات بالادخار، والادخار هو كما فعل يوسف عليه السلام فى رؤيا البقرات السمان اللاتى يأكلهن سبع عجاف، فأشار على الملك بادخار الحبوب أثناء السبع سنوات المثمرة استعدادًا للسبع سنوات المجدبة فتجاوزت البلاد والعباد المجاعة المحدقة التى كادت تقتل الناس، والادخار فكر حكيم فلا يدرى الإنسان ماذا يحدث غدًا، ولذلك كان التوسط فى الإنفاق من محاسن الشريعة الإسلامية، قال تعالى:(وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) (الإسراء ـ 29)، فتوجهنا الآية إلى أنه لا تمسك يدك عن الإنفاق في سبيل الخير، مضيِّقًا على نفسك وأهلك والمحتاجين، ولا تسرف في الإنفاق، فتعطي فوق طاقتك، فتقعد ملومًا يلومك الناس ويذمونك، نادمًا على تبذيرك وضياع مالك.. وما زال الحديث فى أمر التوكل على الله موصولًا إن شاء الله والله من وراء القصد، وهو وحده الهادي إلى سواء السبيل.

د. أحمد طلعت حامد سعد 

 كلية الآداب ـ جامعة بورسعيد بجمهورية مصر العربية

[email protected]