في الوقت الَّذي نودِّع فيه عام 2025 ونخطو الخطوات الأولى نَحْوَ العام الجديد 2026، لا بُدَّ من نظرة فاحصة على عالمنا العربي خلال العام المنصرم على سبيل الاستذكار والإفادة وتجنّب الإشكالات وتفادي الخسائر الَّتي لا بُدَّ أن تحدثَ في أحوال كُلِّ أُمَّة حيَّة، ذلك أنَّ الإشكالات والهفوات تبقى جزءًا لا يتجزأ من الطبيعة الآدميَّة (فرادى وجماعات) في كُلِّ مكان وزمان، أي عَبْرَ (الزمكان)!
بقيَتْ إشكالات حصر السلاح بِيَدِ الدولة المركزيَّة جزءًا من المعضلات المستعصيَّة في عراق ما بعد 2003، وذلك بسبب اللامركزيَّة المفرطة وتدخل بعض الدول في شؤون البلد، إذ استغلت بعض الفصائل والجماعات الانفلات على حساب هيمنة الدَّولة الفتيَّة الَّتي تَعُود ولادتها إلى عام 2003 بعد إسقاط النظام السابق (نظام الرئيس السابق صدام حسين) على أيدي القوَّات الأجنبيَّة الغازية (خصوصًا الأميركيَّة والبريطانيَّة)، ناهيك عن المشاكل والتعقيدات والتداعيات الإداريَّة الأخرى الَّتي تظهر في كُلِّ دولة تحيا تغيرًا جذريًّا من العيار الثقيل، كذاك الَّذي عاشه العراق طوال (أو أثر) من عقدين من الزمن.
أمَّا الشَّقيقة لبنان فهي الأخرى قد عاشت أجواءً من الترقب واللايقين، خصوصًا بعد أزمة المصارف (البنوك)، إذ أدَّى عجز هذه المصارف عن تقديم الأموال المودعة عِندَها للمودعين إلى انتشار أجواء من الخوف واللايقين الَّتي تركت آثارها السالبة على الاقتصاد اللبناني، وعلى الليرة اللبنانيَّة بخاصَّة، ناهيك عن آثار تفجير مرفأ بيروت المروِّع قَبل مدَّة قصيرة، إذ أدَّى ذلك على اهتزاز الثقة بالاقتصاد اللبناني مرفدًا مع توقف أعمال مرفأ بيروت المُهمِّ إقليميًّا في الحركة التجاريَّة، استيرادًا وتصديرًا. زدْ على ذلك كُلِّه الاعتداءات «الإسرائيليَّة» الَّتي لا تبدو لتقف عِندَ حدٍّ!
وهنا، تجدر الإشارة إلى ما عاناه أهلنا في فلسطين المُحتلَّة من أوجاع وآلام في كُلٍّ من الضفَّة الغربيَّة المُحتلَّة وقِطاع غزه المنكوب، ذلك القِطاع الَّذي كان يحظى بحكم ذاتي تحت إدارة «حماس» الَّتي دخلت في مواجهة غير متوازنة وغير عادلة ضدَّ الحكومة «الإسرائيليَّة» الَّتي لا ترحم والَّتي بقيَتْ تدقُّ بقوَّة على مدينة غزَّة حتَّى مَحَتْها من الوجود بالكامل. دُونَ أيِّ وازع من ضمير أو ملاحظة للمواقع الإنسانيَّة كالمستشفيات والملاجئ، الأمر الَّذي قاد إلى واحدة من أكبر عمليَّات الهجرة والترحيل ضدَّ الفلسطينيين باتِّجاه الجنوب منذُ النكبة 1948، حيثُ وجد الفلسطينيون أنفسهم في زاوية خانقة بلا ملاجئ ولا مساكن ولا ماء أو غذاء أو مشتملات إنسانيَّة ضروريَّة كالمستشفيات والملاجئ. زدْ على الحصار المحكم على الغزيين درجة قطع المياه والغذاء والدواء عنهم، الأمر الَّذي أدَّى إلى كارثة مدمِّرة حسب جميع المقاييس لم تزلْ قائمة حتَّى اللَّحظة. أمَّا «البلطجة» «الإسرائيليَّة» فقد تجسَّدت بأقبح صوَرها في قصفها لأماكن سكنيَّة في الشقيقة قطر، بدلًا من شكرها على جهودها السلميَّة!
والحقُّ، فإنَّ دول الخليج العربيَّة (سلطنة عُمان والإمارات العربيَّة المُتَّحدة والمملكة العربيَّة السعوديَّة وقطر والبحرين والكويت)، فإنَّها تبقَى نماذج للاستقرار السياسي والرفاه الاقتصادي، نماذج عربيَّة تستحق التقدير الإقليمي والدولي.
وعلى عكس دول عربيَّة أخرى تعرضت لهزَّات أرضيَّة وزلازل عنيفة يُمكِن أن تنال من وحدتها وصلابة شَعبها إذا ما تواصلت، شهد السودان تصاعدًا للحرب الأهليَّة بَيْنَ قوَّات الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان من ناحية، وقوَّات الدعم السريع بقيادة الجنرال محمد حمدان حميدتي، من الناحية الثانية، وهي حرب أذاقت أشقاءنا في الخرطوم والفاشر وسواهما من مُدن وأقاليم السودان الشقيق الزاهرة، أقول أذاقتها الأمرَّيْنِ، كما تعكس ذلك نشرات الأخبار بتقاريرها المفصَّلة عن المأساة الإنسانيَّة هناك، لبالغ الأسف!
أمَّا شقيقتنا الكبرى، مصر، فالحمد لله على أنَّها بقيَتْ نموذجًا للاستقرار والدستوريَّة، برغم ما شابَ تلك الحال من إشكالات اقتصاديَّة وسياسيَّة هنا وهناك ومن آنٍ لآخر.
لم أسمعْ عن أيِّ اضطرابات في ليبيا الشقيقة، وأتمنَّى أن يبقى السلام الأهلي هناك سائدًا على عكس جارتها السودان المضطرب (كما أشرنا إلى ذلك أعلاه). هذا، وتبقى تونس الشقيقة الَّتي سبق وأن شهدت القدحة الأولى لمسلسل «الربيع العربي»، أقول بأنَّ تونس تنعم الآن بشيء من الاستقرار بفضل قيادتها الحاليَّة الَّتي تُدير شؤون البلاد بالكثير من التوازن وبُعد النظر والحكمة.
والحقُّ، تنطبق ذات الحال على الأوضاع في كُلٍّ من الجزائر والمملكة المغربيَّة، إذ لم تطفُ على سطحها أيّ تعقيدات، باستثناء ما شابَ السلام الأهلي في المغرب من بعض الاحتجاجات هنا وهناك عَبْرَ بعض المُدن.
أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي