الثلاثاء 23 ديسمبر 2025 م - 2 رجب 1447 هـ
أخبار عاجلة

سعود الحارثي يسبر أغوار عوالم العلم والمعرفة والسياسة

سعود الحارثي يسبر أغوار عوالم العلم والمعرفة والسياسة
الثلاثاء - 23 ديسمبر 2025 02:22 م

عرض ـ طارق علي سرحان:

صدر حديثا كتاب «رحيق الكتب» للكاتب سعود بن علي الحارثي عن دار «لبان للنشر»، ويتكون من 504 صفحات من القطع المتوسط، تصدره غلاف يحتوي تصميما مميزا لمجموعة كبيرة من الكتب تصطف داخل رفوف في غرفة يتخللها ضوء الشمس في إشارة إلى الفكرة التي يقوم عليها الكتاب، وهي مختصرا تعريفا ونقدا خفيفا لثلاثة وستين كتابا تجمع بين السياسة والاقتصاد والاجتماع والفلسفة والتاريخ والطب والثورات العلمية والأدب، قام الكاتب بتلخيصها ووضعها في نصوص داخل اصداره الجديد، حيث أعجب وتأثر بها بعد ان علقت محاورها ومعلوماتها في ذهن المؤلف لسنوات نظرا لما تناولته من ملفات ومواضيع حساسة وخبرات وتجارب قد أحدثت تأثيرا على الساحة الدولية. يتجاوز الكتاب فكرة التلخيص التقليدي للكتب إلى فضاء أرحب من القراءة التحليلية والنقدية، التي تمزج بين الفهم والتأمل والمقارنة، وتربط المعرفة بالواقع، فالكتاب لا يقدم نفسه كدليل قراءة فحسب، بل كرحلة فكرية ممتدة عبر عوالم العلم والتاريخ والسياسة والاقتصاد والطب والثورات العلمية، وهو ما يشير إليه العنوان الذي اختاره المؤلف لكتابه.

المميز في لغة سعود الحارثي هو التوازن بين العرض والتحليل فمن صفحاته الأولى، يوضح المؤلف منهجه القائم على تقديم تعريف لثلاثة وستين كتابا، وتلخيص مكثف لأفكارها الأساسية، يتخلله تعليق نقدي خفيف، لا يعلو على النص الأصلي، بل يحاوره ويقارن بين أطروحاته وتجاربه وأحداثه وربط هذه القراءات بواقعنا العربي، حيث يمنح القارئ فرصة لفهم الكتاب المقروء، وفي الوقت نفسه الاطلاع على رؤية الكاتب الخاصة، حيث يأخذنا الكاتب في رحلة للكشف عن تواطؤ السياسة والإعلام والاقتصاد في تكريس الرداءة، وتحول التفاهة إلى نظام حاكم يقصي الكفاءة، وكيفية إعادة الخوارزميات تشكيل وعينا وقراراتنا وسلوكنا الفردي والجماعي، كما يرصد لنا أثر وسائل التواصل الاجتماعي على الذاكرة والهوية والتنشئة الاجتماعية. وفي فصوله الأخرى يستعرض الحارثي مستقبل البشرية في ظل هيمنة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، الفرص والمخاطر الأخلاقية للتقنيات الذكية، وتحول الإنسان من كائن أخلاقي إلى مشروع تقني، والتحولات الفلسفية التي تفرضها الثورة الرقمية، حيث يعيد تعريف مفهوم الإنسان بعد الذكاء الاصطناعي. وهنا يناشد الكاتب في دعوة مخلصة لكل عربي لاقتناء وقراءه كتاب «الإنسان الإله .. تاريخ وجيز للمستقبل». نهضة الخليج وتحولاته أيضا من أبرز العناوين في «رحيق الكتب»، حيث يرصد سنوات الخليج العجاف من مذكرات الشيخ يعقوب الحارثي وهي شهادة حيّة على تحولات الخليج قبل النهضة، تسرد تفاصيل الحياة والمعاناة والقيم الاجتماعية، فيما يناقش في فصل أخر إشكالية التوازن بين الأصالة والتحديث في المجتمعات الخليجية. الاقتصاد والفنون أيضا كانا لهما نصيب في رحلة مؤلف العمل، وفيهما يؤكد أن الفنون ليست ترفًا بل محركًا أساسيًا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، فيما يشرح العلاقة العميقة بين الاقتصاد والبنية الاجتماعية والسلوك الإنساني، ويناقش كيفية تحوّل الإنسان إلى سلعة داخل اقتصاد السوق. تنوع الموضوعات التي يتناولها الكتاب والتي تمنحه ثراء لافتا، فمن ملفات جوجل والثروات الرقمية والثقافية، مرورا باللغة والهوية وإسهامات العمانيين التاريخية والحضارية، وصولا إلى صناعة الوعي والليبرالية والعولمة، ينتقل الحارثي بالقارئ بينها في عدد من الأسئلة تمنح الكتاب بعدًا فكريًا تحفيزيًا، وتجعله أقرب إلى خطاب تنويري تثقيفي. «رحيق الكتب» اضافة مهمة للمكتبة العمانية والعربية، يتميز بلغة واضحة رصينة بعيدة عن التعقيد، استطاع الكاتب خلالها ربط الأفكار بالأحداث مع تقديم أمثلة وتجارب واقعية، مع الوقوف عند مكامن الضعف والتناقض وعدم الانحيازًا لفكرة معينة يتم عرضها.