الثلاثاء 23 ديسمبر 2025 م - 2 رجب 1447 هـ
أخبار عاجلة

في العمق : قراءة فـي اللقاء السامي لجلالة السلطان برئيس وأعضاء مكتب مجلس الدولة

في العمق : قراءة فـي اللقاء السامي لجلالة السلطان برئيس وأعضاء مكتب مجلس الدولة
الثلاثاء - 23 ديسمبر 2025 08:58 ص

د.رجب بن علي العويسي

140


تفضَّل حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ فالتقى رئيس وأعضاء مكتب مجلس الدَّولة في الثاني والعشرين من أغسطس 2025 في قصر البركة العامر، حيثُ أشاد جلالته بجهود وإسهامات مجلس الدَّولة وتعاونه مع المؤسَّسات الحكوميَّة للارتقاء بمسارات التنمية الشاملة في البلاد، مؤكدًا جلالته ـ حفظه الله ـ على أنَّ مسؤوليَّة التعامل مع القضايا المطروحة على المستوى الوطني هي مسؤوليَّة مشتركة بَيْنَ كافَّة مؤسَّسات الدَّولة وأجهزتها، ووجَّه جلالته بأهميَّة اعتماد آليَّات تنفيذيَّة فعَّالة تُحوِّل المقترحات إلى خطوات عمليَّة تعالج قضايا المُجتمع، وتُعزِّز تكامل مؤسَّسات الدَّولة، بما يَضْمن استدامة التنمية وصون المكتسبات. وأكَّد جلالته على ضرورة توضيح الجهود المبذولة وما تحقق من منجزات عَبْرَ الإعلام ومنصَّات التواصل بإيصال الرسائل الصحيحة ورفع الوعي المُجتمعي، بما يُعزِّز ثقة المُجتمع وشراكته.

إنَّ قراءة متأنية لهذه التوجيهات السَّامية تضع مجلس الدَّولة أمام تحوُّلات نوعيَّة في مَسيرة عمله القادمة، تحوُّلات تتطلب انتقال مجلس الدَّولة من أداء تقليدي إلى دَوْر مؤسَّسي نوعي واستباقي، قائم على الرؤية الاستراتيجيَّة والتأثير الفعلي في مسارات التشريع والتنمية، وتعظيم الشراكات النوعيَّة، وتفعيل الاختصاصات المنصوص عليها في قانون مجلس عُمان الصادر بالمرسوم السُّلطاني (7/2021)، والارتقاء بالمنتج التشريعي والسياسات التنمويَّة من حيثُ العمق والجودة، بما يعكس الثقة السَّامية الممنوحة له ويُعزِّز إسهامه في دعم القرار الوطني، وبما يرسِّخ مكانة المجلس كبيت خبرة وطني استراتيجي فاعل، وشريك أساسي في منظومة الدَّولة، تأكيدًا لِمَا ورد في خِطاب جلالة السُّلطان المُعظَّم بمناسبة الانعقاد السنوي الأول للدَّوْرة الثامنة لمجلس عُمان عام 2023، حيثُ جاء «إنَّ مجلس عُمان لشريك أساسي في منظومة الدَّولة، وهذه الشراكة تُلقي عليكم مسؤوليَّة كبيرةً، فكونوا على قدر المسؤوليَّة، واضعين مصلحة البلاد نَصْبَ أعيُنكم، مسترشدين في ذلك بمبادئ النظام الأساسي للدَّولة وبالقوانين المنظمة لعملكم، وما أتاحه لكم قانون مجلس عُمان من صلاحيَّاتٍ، وإنَّنا إذ أوليناكم ثقتنا؛ لنأمل أن يكُونَ لأعمالكم إسهام بارز في إثراء التطور والنَّماء لمَسيرة النهضة المتجدِّدة.»

يُمثِّل اللقاء السَّامي نافذة وطنيَّة بالغة الأهميَّة؛ لِمَا يحمله من دلالات جوهريَّة عميقة نَحْوَ ممارسة مؤسَّسيَّة تشريعيَّة منجزة وفاعلة، وترسيخ منهج متكامل في العمل المؤسَّسي التشريعي الرصين، وتعزيز الشراكة الفاعلة بَيْنَ مؤسَّسات الدَّولة، وتأكيد المسؤوليَّة الوطنيَّة المشتركة في التعامل مع القضايا الحاضرة والمستقبلة والتحدِّيات المطروحة على السَّاحة الوطنيَّة، حيثُ يتعاظم دَوْر مجلس الدَّولة في مَسيرة التنمية الوطنيَّة وتحقيق مستهدفات رؤية «عُمان 2040»، بما يؤسِّس لدخوله في عُمق الحدث الوطني، مبادرًا، ليس فقط بوصفه مؤسَّسة تشريعيَّة، بل باعتباره حلقة وصل فاعلة بَيْنَ الحكومة والمواطن. فالمجلس يضطلع بِدَوْر محوري في دراسة مشروعات القوانين المحالة، واقتراح التعديلات على القوانين النافذة، وصياغة السياسات والتشريعات الَّتي تستهدف تحقيق المصلحة العامَّة، فضلًا عن إسهاماته في المجال الخارجي من خلال الدبلوماسيَّة البرلمانيَّة، الَّتي تُمثِّل رافدًا داعمًا للدبلوماسيَّة السياسيَّة الوطنيَّة، حيثُ تبرز أهميَّة هذا الدَّوْر الخارجي من خلال عضويَّة مجلس الدَّولة في البرلمانات الدوليَّة والإقليميَّة، وتفعيل لجان الصداقة مع برلمانات الدول الشَّقيقة والصَّديقة، بما يُعزِّز الحضور العُماني في المحافل الدوليَّة، ويؤطِّر العمل البرلماني ضِمن رؤية منهجيَّة تدعم المصالح الوطنيَّة، وتُسهم في بناء جسور التواصل والتفاهم مع مختلف الشعوب والمؤسَّسات التشريعيَّة في العالم.

إنَّ أهميَّة اعتماد آليَّات تنفيذيَّة فعّالة تُحوِّل المقترحات والرؤى إلى خطوات عمليَّة ملموسة، معالجةً لقضايا المُجتمع، وتعزيزًا لتكامل المؤسَّسات، وضمانًا لاستدامة التنمية، مرتكز أساسي في عمل المجلس بالوقوف على نتائج الفعل والانتقال إلى مرحلة أعمق لا تقتصر على تقديم المرئيَّات أو الدراسات أو التحدِّيات، بل عَبْرَ إيجاد آليَّات أكثر احترافيَّة وفاعليَّة وعمليَّة في الانتقال بها إلى الواقع وتجريبها لمزيدٍ من المهنيَّة والاحترافيَّة والعدالة في التطبيق، الأمر الَّذي يضفي إلى اختصاصاته نكهات استشرافيَّة قائمة على الحدس والفراسة والبحث والعُمق والاستفادة من الأدوات التشريعيَّة لِتُشكِّلَ تحوُّلًا مفصليًّا في مَسيرته، إذ تؤكِّد إعادة توجيه الدَّوْر نَحْوَ مزيدٍ من الفاعليَّة والمسؤوليَّة. فهي لا تقتصر على الإشادة بالمكانة المؤسَّسيَّة للمجلس، بل تُرسِّخ مفهوم الشراكة الحقيقيَّة، وتربط الصلاحيَّات الممنوحة بمسؤوليَّة أكبر تجاه المُجتمع والدَّولة، بما يُعزِّز من دَوْر المجلس بوصفه بيت خبرة وطنيًّا قادرًا على تقديم إسهامات نوعيَّة قائمة على التحليل الاستراتيجي، والمعالجات النوعيَّة العميقة، لِيكُونَ حاضرًا بفاعليَّة في إثراء التشريعات والسياسات العامَّة، ومساهمًا حقيقيًّا في مَسيرة النهضة المتجدِّدة، بما يواكب تطلُّعات الدَّولة والمُجتمع.

إنَّ ترجمة مضامين التوجيهات السَّامية إلى ممارسات عمليَّة، تبرز في تجلِّياتها تطوير آليَّات العمل، وتعظيم الشراكات، وتفعيل الاختصاصات التشريعيَّة والقِيمة المضافة للدَّوْرة التشريعيَّة، بما يرفع من جودة الدراسات والتوصيات، ويُعزِّز أثَرها في دعم القرار الوطني. كما يستدعي ذلك تبنِّي نهج مؤسَّسي مَرِن واستباقي، قادر على استشراف التحدِّيات، والتعامل معها برؤية شاملة ومنهجيَّة ومشاركة الحكومة في إيجاد معالجات جادَّة وفاعلة للقضايا المُجتمعيَّة والمستجدَّات والإشاعات وتقديم تفسيرات عمليَّة منهجيَّة للظواهر الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والأخلاقيَّة، وتوجيه التشريع لرفع مستوى الوعي والإيجابيَّة وتعظيم المحافظة على الحقوق والموارد والفرص، وتعزيز حضور الجهد الحكومي في فِقه المُجتمع، لِتتجلَّى مكانة مجلس الدَّولة كبيت خبرة استراتيجي، تتكامل فيه الأدوات وتتنوع المنهجيَّات.

وبالتَّالي ما يُمكِن أن يؤسِّسَه هذا الاندماج في قضايا المُجتمع والتفاعل معها وتبنِّي آليَّات أكثر فاعليَّة في إيضاح الصورة الناتجة عنها، وإعادة تصحيح المشهد وضبط متغيراته وخلق روح وطنيَّة إيجابيَّة تضع الجهد الجمعي والوعي المُجتمعي نقطة التقاء مشتركة تحفظ مسار الثقة في الجهد الحكومي عَبْرَ مزيدٍ من التفكير المعمَّق، والاحتواء الراقي، والفهم المتحقق، وسدّ فراغ الضوابط، وتعزيز التشريعات والقوانين المتناغمة مع معطيات الواقع، واختيار المصادر وانتقاء الخيارات وتوسيع فِقه البدائل، وتحويل التوجُّهات الفكريَّة إلى مشاريع إنتاجيَّة وأفكار عمليَّة، تصنع القوَّة وتحفظ الهُوِيَّة، بالإضافة إلى تعزيز الإعلام الوقائي الدَّاعم للمواطن والمناصر لحقوقه، القادر على نقل صوته بكُلِّ شفافيَّة لجهات الاختصاص، حاملًا هواجس الباحثين عن عمل والمسرَّحِين من أعمالهم واضعًا مقترحات المواطنين واهتماماتهم وأولويَّاتهم طريقه في إيصال رسالته التشريعيَّة للجماهير مقدِّمًا الدَّعم الفكري والثقافي والمعلوماتي الَّتي يحافظ على كفاءة مسار الوعي وارتفاع سقفه في حياة المواطن.

وعليه، فإنَّ هذا التكامل في التعامل مع الأولويَّات الوطنيَّة يؤسِّس لمسارات قوَّة في عمل مجلس الدَّولة، ويعكس حكمة في التعاطي مع قضايا الوطن والمواطن، ويُعزِّز المشاركة الفاعلة في بناء بيئة عمل مؤسَّسيَّة ناجحة. كما يُسهم في تكوين نماذج إيجابيَّة ومؤثِّرة، تؤصِّل لشخصيَّة عضو المجلس بوصفه رجُل دولة، يتمتع بعُمق القراءة، ورصانة التحليل، وموضوعيَّة الطرح، وحُسن الحوار، وقدرة واعية على التواصل مع المُجتمع ومنصَّات الإعلام المختلفة، تأكيدًا لِدَوْر مجلس الدَّولة في تعزيز الوعي والثقافة والفَهْم العميق لمجريات الشَّأن الوطني والعالمي على حد سواء، والتعامل مع مختلف الآراء ووجهات النظر بمهنيَّة عالية، وقراءة فاحصة للنقاشات المرتبطة بمشروعات القوانين، أو الخطط الخمسيَّة، أو الميزانيَّات السنويَّة، لِتُمثِّلَ هذه الممارسات شواهد إثبات تُعزِّز الثقة المُجتمعيَّة في المجلس والتوازنات الَّتي يصنعها في قراءته للواقع واستشرافه للمستقبل، فإنَّ التناغم الداخلي في الأفكار ووجهات النظر، وما يمتلكه المجلس من أرصدة تميّز وخبرات متراكمة لدى أعضائه، يُعَدُّ قِيمة مضافة تنعكس آثارها على مسارات العمل، وقدرته على احتواء المواقف، وتوظيف الفرص، وتوجيهها بما يخدم تفعيل دَوْر المؤسَّسات، وفْقَ معايير المهنيَّة والجودة والشفافيَّة، في التعامل مع قضايا المواطن.

أخيرًا، يُمثِّل مجلس الدَّولة امتدادًا مؤسَّسيًّا فاعلًا مع مختلف مؤسَّسات الدَّولة في رسم ملامح التحوُّل الرَّقمي، وترسيخ قواعد البناء المؤسَّسي، وتسريع وتيرة دَوْر التشريع في حفظ هذه التحوُّلات وتعزيزها وتمكينها واستدامتها، وتحويل هذه المنجزات الوطنيَّة إلى منتج تشريعي يصنع الإلهام، ويؤسِّس لمرحلة الوعي الجمعي والنضج الفكري المُجتمعي، وهو الدَّوْر المنوط بالمجلس في إنتاج حلول الواقع ومستلزماته وفْقَ منهجيَّات عمل أكثر ابتكارًا واستدامة وفاعليَّة، تستفيد من التحوُّلات الرقميَّة والمؤسَّسيَّة، وتُعزِّز الثقة، وتُرسِّخ الشراكة الوطنيَّة، بما يَضْمن توجيه الجهد الجمعي نَحْوَ تحقيق التنمية الشاملة، وصون المكتسبات، وترسيخ مسار الثقة المُجتمعيَّة.. فهل سيعمل مجلس الدَّولة على إعادة رسم مساره القادم والانتقال إلى مساحات أوسع خارج حدود المعتاد، ودخوله في عُمق الحدث الوطني ومشاركته برأيه وفلسفة عمله وتوجُّهاته في حلحلة القضايا المستجدَّة والقائمة واقتراح الحلول العمليَّة لها؟

د.رجب بن علي العويسي

[email protected]