تأتي إشادة حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ بِدَوْر مجلس الدَّولة باعتبارها تأكيدًا واضحًا لرؤية جلالته الَّتي تؤكِّد أنَّ التَّنمية الشَّاملة تُدار اليوم بمنطق الشَّراكة المؤسَّسيَّة، لا بمنطق الأدوار المنفصلة؛ فالمرحلة الرَّاهنة تفرض إعادة ترتيب العلاقة بَيْنَ مؤسَّسات الدَّولة على أساس التَّكامل بَيْنَ التَّفكير وصناعة السِّياسات والتَّنفيذ، بحيثُ يُصبح القرار التَّنموي نتاج عمل جماعيٍّ منظَّم، لا حصيلة اجتهادات فرديَّة أو مسارات متوازية.
ومن هذا المنطلَق، يُشكِّل مجلس الدَّولة أداةَ عقلٍ وطنيٍّ تشاركي، تُناقَش داخله القضايا الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة بعُمق، وتُصاغ المقترحات في ضوء أثَرها الواقعي على المُجتمع، قَبل أنْ تتحوَّلَ إلى سياسات عامَّة تلتزم الجهات التَّنفيذيَّة بتنفيذها. فهذه الإشادة تحمل مضمونًا عمليًّا صريحًا مفاده أنَّ دَوْر المجلس سينتقل من توصيف المُشْكلات إلى الإسهام في حلِّها عَبْرَ تقديم رؤى قابلة للتَّطبيق، وتدعم توَجُّهات الدَّولة، وتُسهم في تطوير مسارات التَّنمية، بما يُحقِّق التَّوازن الاقتصادي، ويُعزِّز الاستقرار الاجتماعي.
ولعلَّ تأكيد جلالة السُّلطان المُعظَّم ـ أبقاه الله ـ على أنَّ مسؤوليَّة التَّعامل مع القضايا الوطنيَّة، كمسؤوليَّة مشتركة بَيْنَ مؤسَّسات الدَّولة، يعكس الرُّؤية السَّامية، ويضع حدًّا لأيِّ فَهْمٍ تقليديٍّ يَقُوم على تحميل جهة واحدة عبء التَّحدِّيات أو عزلِ الأدوار داخل الهياكل الحكوميَّة. فالمرحلة الرَّاهنة ـ بما تحمله من تعقيدات اقتصاديَّة واجتماعيَّة ـ تتطلب نمطَ عملٍ مختلفًا يَقُوم على التَّنسيق الأُفقي بَيْنَ المؤسَّسات، وتكامل الاختصاصات، وتوحيد الجهود خَلْفَ أهداف وطنيَّة واضحة؛ فالمسؤوليَّة المشتركة هنا تعني أنَّ كُلَّ مؤسَّسة شريكٌ في النَّجاح كما في الإخفاق، وأنَّ تطوير السِّياسات العامَّة عمليَّة جماعيَّة تبدأ بالتَّشخيص الدَّقيق، وتمرُّ بصياغة الحلول، وتنتهي بتنفيذٍ منضبطٍ يخضع للتَّقييم والمراجعة، وهو ما يعكس إدراكًا ساميًا عميقًا بأنَّ كفاءة الدَّولة تُقاس بقدرتها على العمل كمنظومة واحدة، لا كمجموعة أجهزة متجاورة، وأنَّ معالجة التَّحدِّيات الوطنيَّة تستدعي قرارًا موَحَّدًا، وإرادةً تنفيذيَّة منسجمة، تضع مصلحة الوطن في صدارة الأولويَّات، وتحوُّل العمل المؤسَّسي إلى رافعة حقيقيَّة للتَّنمية والاستقرار.
ويأتي توجيه جلالة السُّلطان المُعظَّم بأهميَّة وضعِ آليَّات تنفيذيَّة فعَّالة لِيحسمَ جوهر الإشكاليَّة الَّتي واجهتِ العديد من السِّياسات العامَّة خلال مراحل سابقة، حيثُ تلخَّصتِ التَّحدِّيات في القدرة على تحويل المقترحات إلى خطوات عمليَّة ملموسة يشعر بها المُجتمع؛ فالتَّنميَّة تُقاس بنتائجها لا بنيَّاتها، وبالأثَر المُتحقِّق لا بحجم النّقاشات الَّتي سبَقَتْها. ومن هنا يكتسب التَّنفيذ قِيمة سياسيَّة وتنمويَّة تُعادِلُ قِيمة التَّخطيط ذاته. والآليَّات التَّنفيذيَّة الَّتي أشار إليها جلالته تعني وضوح المسارات، وتحديد المسؤوليَّات، وربط القرار بالزَّمن، وتوفير أدوات المتابعة والتَّقييم، بما يَضْمن أنْ تتحولَ الأفكار إلى سياسات فاعلة، والسِّياسات إلى منجزات مستدامة، فهذا التَّوْجيه يعكس وعيًا ساميًا عميقًا بأنَّ الحفاظ على المكتسبات الوطنيَّة يتحقق بقدرة مؤسَّسات الدَّولة على العمل وفْقَ منظومة تنفيذ منضبطة، تتعامل مع القضايا المُجتمعيَّة بجديَّة، وتستجيب للتَّحدِّيات بقرارات قابلة للتَّطبيق، تُعزِّز الثِّقة في الأداء العام، وتؤسِّس لمسارٍ تنمويٍّ أكثر صلابةً واستمراريَّة.
إنَّ تأكيد جلالة السُّلطان المُعظَّم ـ أعزَّه الله ـ على أهميَّة التَّفاعل الواعي مع قضايا المُجتمع، وإيصال الرَّسائل الصَّحيحة، عَبْرَ وسائل الإعلام ومنصَّات التَّواصُل الاجتماعي، يعكس إدراكًا واضحًا بأنَّ الوعيَ المُجتمعيَّ عنصرٌ حاسم في استدامة أيِّ مسار تنموي؛ فالإعلام لا يُختزل في وظيفة نقلِ الخبر أو ترويج المنجز، وإنَّما يُنظر إليه كأداةِ شرحٍ وتفسيرٍ وبناءِ ثقةٍ، تضع المواطن في قلبِ المشهد، وتوضِّح له ما يجري، ولماذا يجري، وكيف ينعكس على حياته اليوميَّة؟ ذلك أنَّ غياب الخِطاب الواضح يفتح المجال أمام الإشاعات والقراءات المشوّشة، ويُضعف الثِّقة بَيْنَ المُجتمع والمؤسَّسات، مهما كانت المنجزات المتحقِّقة على الأرض. ومن هنا تأتي أهميَّة خِطاب إعلامي مسؤول، قادر على مخاطبة العقل العامِّ بلُغة الحقائق، وربط السِّياسات العامَّة بسياقها الوطني، وإبراز الجهود المبذولة دُونَ تهوينٍ أو تهويل، بما يُعزِّز الوعيَ، ويُعمِّق الإحساسَ بالشَّراكة، ويؤكِّد أنَّ التَّنميَّة مشروعٌ وطنيٌّ مفتوح، يَقُوم على الشَّفافيَّة.