الأربعاء 17 ديسمبر 2025 م - 26 جمادى الآخرة 1447 هـ
أخبار عاجلة

الارتقاء بالأخلاق والسلوك فى ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية «34»

الأربعاء - 17 ديسمبر 2025 11:38 ص

إن خلق التوكل على الله سبحانه وتعالى من الأخلاق والصفات التي يحبها الله سبحانه وتعالى، والتوكل يصحبه عمل وأخذ بالأسباب، فنحن مأمورون بالعمل والسعي كل ذلك بالاستعانة بالله تعالى وهو التوكل الحق، وقد يظن بعض الناس أن معنى التوكل هو ترك الكسب بالبدن، وترك التدبير والتفكير، والسقوط على الأرض كما تسقط الخرقة، وهذا ظن الجهال وهذا حرام فى الشرع، وقد أثنى الشرع على المتوكلين، وإنما يظهر تأثير التوكل فى حركة العبد وسعيه إلى تحصيل مقاصده، وسعى العبد قد يكون لجلب نفع مفقود كالكسب، أو حفظ موجود كالادخار، وإما دفع ضرر لم ينزل كدفاع السارق والمغتصب، وقد يكون التوكل والعمل لدفع ضرر قد نزل كالتداوي من المرض، وإذا تحدثنا عن جلب المنافع، فإن لله تعالى سنن فى الكون، فهناك أسباب ارتبطت بمسببات، فمثلًا أن يكون الطعام بين يديك وأنت جائع فلا تمتد إليه يدك، وتقول أنا متوكل وشرط التوكل ترك السعي، ومد اليد إلى الطعام سعى وكذلك مضغه وابتلاعه، فهذا جنون محض وليس من التوكل فى شئ فإنك إذا انتظرت أن يخلق الله فيك شبعًا دون أكل الطعام أو يخلق فى الطعام حركة إليك أو يسخر ملكًا ليمضغه ويوصله إلى معدتك، فقد جهلت سنة الله، وكذلك إذا لم تزرع الأرض وتقوم بما يقوم به المزارعون من تجهيز للأرض وجلب البذور الصالحة وغرسها وسقيها وتعهدها بالرعاية وتنتظر نباتًا وفاكهة ومحاصيل وخيرًا، فإنّ هذا لا يحدث كما ينتظر من مرأة لم تتزوج ويواقعها رجل أن تحمل وتلد.. كيف هذا؟ كل هذا لا يحدث فالله خلق الأسباب وليس من التوكل ترك الأسباب والسعي، فالمسلم ينبغي أن يكون له علم وحال، فالعلم أن يعلم أن الله تعالى خلق الطعام واليد والأسباب وقوة الحركة وأن الله هو الذي يطعمك ويسقيك، وأما حال المسلم أن يكون قلبه واعتماده على فضل الله لا على اليد والطعام، لأنه ربما مرضت يدك فلا تستطيع الحركة، وربما جاءك غاصب أخذ الطعام من بين يديك، وعلى ذلك فإنّ مد اليد إلى الطعام لا ينافي التوكل.. وما زال الحديث فى أمر التوكل على الله موصولًا إن شاء الله والله من وراء القصد، وهو وحده الهادي إلى سواء السبيل.

د. أحمد طلعت حامد سعد

 كلية الآداب ـ جامعة بورسعيد بجمهورية مصر العربية

[email protected]