الخميس 18 ديسمبر 2025 م - 27 جمادى الآخرة 1447 هـ
أخبار عاجلة

غزة ما بين الاحتواء أو التفجير

غزة ما بين الاحتواء أو التفجير
الأربعاء - 17 ديسمبر 2025 08:19 ص

جودة مرسي

20


حسابات القوى الإقليميَّة بالنسبة إلى الإطار العام للتصعيد في غزَّة والَّتي تأتي في إطار خرق الهدنة بَيْنَ المقاومة والكيان المحتل الَّذي عاود خرق الهدنة لليوم (67) على التوالي، لا يُنظر إليه إقليميًّا كحدث محلِّي، بل كحلقة في صراع أوسع يمس توازن الردع، ومستقبل القضيَّة الفلسطينيَّة، والاستقرار الداخلي لدول الجوار، والصراع الإقليمي بَيْنَ محاور متنافسة؛ لذلك تأتي الردود والمواقف محسوبة بدقة وتجنّبت ـ حتَّى الآن ـ التصعيد، وأفسحت الطريق إلى اتفاق هدنة لوقف إطلاق النار، يأتي ذلك في نفس الوقت الَّذي ما زال جيش العدوِّ الصهيوني يخرق ويغتال اتفاق الهدنة عن طريق التصعيد المباشر في قِطاع غزَّة بالغارات والقصف المتصاعد بالطائرات، تحت حجة استهداف مواقع للمقاومة، والحقيقة هي سقوط العشرات من الشهداء والمصابين المَدنيين من أهالي غزَّة في عمليَّات القصف، واغتيال قيادات من حركة المقاومة حماس كان آخرهم الشهيد رائد سعد. ويتزامن ذلك مع تحدث وسائل إعلام جيش الاحتلال الصهيوني عن استمرار العمليَّات العسكريَّة داخل المُدن الرئيسة في غزَّة.. رغم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار سابقًا ما زالت الخروقات والاغتيالات مستمرة يوميًّا، بحسب تقارير المقاومة والجهات الدوليَّة، ما يجعل الوضع الأمني هشًّا.

وممَّا يزيد التوتُّر الحالي هو أطروحات تحديث اتفاق وقف إطلاق النار والَّتي يشار إليها بالمرحلة الثانية، الَّتي تشمل مطالب جيش الاحتلال الصهيوني وحكومته المتطرفة بنزع سلاح المقاومة أو تمرير وصاية دوليَّة، ما أثار رفضًا كاملًا من المقاومة الفلسطينيَّة ممثلة في حماس وبقيَّة الفصائل، إذ تعدُّ المقاومة أنَّ بعض الشروط المقترحة تُسيء إلى مصير الشَّعب الفلسطيني، وتُضعف قدرته على المقاومة والتحرير، في الوقت الَّذي تستمر فيه الخروقات من قِبل جيش الاحتلال لوقف الإطلاق، مما نتج عن ذلك زيادة التصعيد العسكري من قِبل جيش الاحتلال وحكومته المتطرفة وأدَّى إلى سقوط الشهداء من المدنيين ويضع الاتفاقات الهشَّة على المحك، ويزيد من سوء الوضع الإنساني مأساويَّة في غزَّة بسبب الحصار والخدمات المحدودة، بَيْنَما تترقب الأُسر الفلسطينيَّة أيَّ تطورات سياسيَّة أو عسكريَّة تؤثر على حياتهم اليوميَّة. فيما تبذل بعض القوى الإقليميَّة والوسطاء، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، تبذل مصر جهودًا دبلوماسيَّة متوازنة ومكثفة للوساطة، رافضة التصعيد ووضع حدٍّ للعنف؛ إذ ترى أنَّ أيَّ انفجار واسع في غزَّة تهديد للحدود، مع احتواء التصعيد الأردن يرى في التصعيد خطرًا استراتيجيًّا طويل الأمد، لا مجرد أزمة عابرة، مع ضرورة حماية الوصايا الهاشميَّة على المقدَّسات، وكذلك إبداء القلق من انعكاس التصعيد على الضفَّة الغربيَّة وتوتر المشهد الداخلي، ولبنان (حزب الله) يتخذ سياسة «حافة الهاوية» دون السقوط فيها مع عدم ترك غزَّة بمفردها أو التجاوب رمزيًّا أو محدودًا عند الحدود، يعني ما سبق من التصعيد ومواقف الدول الإقليميَّة والوسيطة أنَّ الردود الإقليميَّة غاضبة لفظيًّا، حذرة عمليًّا، لا أحد يجيد كسر قواعد الاشتباك بالكامل، غزَّة تبقى مركز الصراع، لكن القرار الإقليمي هو الاحتواء لا التفجير، والإصرار على الدخول في المرحلة الثانية من اتفاق الهدنة، والرهان القائم على إجبار الرئيس الأميركي دونالد ترامب لرئيس وزراء الكيان المحتل الـ(نتنياهو) على الاستجابة لتنفيذ الاتفاق. وتُشير بعض المصادر إلى أنَّ ترامب أعرب لـ(النتنياهو) عن استيائه من اغتيال أحد أهم قادة المقاومة الشهيد رائد سعد. أما الحقيقة الَّتي يعلمها مَن يعلم طموح المدان من قِبل محكمة العدل الدوليَّة مُجرِم الحرب الـ(نتنياهو) أنَّه بعيد كُلَّ البُعد عن تطبيق المرحلة الثانية من اتفاق الهدنة، وأنَّه يحاول بكُلِّ قوَّته تفجير الهدنة وإشعال فتيل الحرب مرَّة أخرى بوضع شروط يستحال الموافقة عليها من قِبل المقاومة؛ لِكَيْ ينجو بنفسه من المحاكمة الَّتي تدينه داخليًّا.

جودة مرسي

[email protected]

من أسرة تحرير «الوطن»