الإشادة الدوليَّة الواسعة الَّتي حازت عليها سلطنة عُمان، والَّتي تضمَّنها تقرير منظَّمة الأُمم المتَّحدة للتنمية الصناعيَّة (اليونيدو) لعام 2026، جرَّاء القفزات الهائلة الَّتي حققتها مؤخرًا في توطين الصناعات النوعيَّة ذات التقنيَّات المتقدمة، وتطوير قدراتها الإنتاجيَّة، وضعت سلطنة عُمان ضمن الدول الصاعدة عالميًّا في القِطاع الصناعي، الأمر الَّذي يعطي مؤشِّرًا أنَّ سياسة التنويع الاقتصادي وتعظيم الموارد غير النفطيَّة الَّتي تبنَّاها جلالة السُّلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ورعاه ـ، ضمن رؤية «عُمان 2040»، بدأت تؤتي أُكلَها، حيثُ أكد التقرير أنَّ سلطنة عُمان تمكنت من تأسيس قاعدة صناعيَّة واعدة، في الصناعات المرتبطة بالخلايا الكهروضوئيَّة، مستفيدةً من الاستثمارات النوعيَّة وتطبيق سياسات شراء حكوميَّة محفّزة، وفَّرت بيئة أعمال جاذبة للتقنيَّات الحديثة.
استشهد التقرير بمجموعة من المشروعات الصناعيَّة الَّتي ما زالت قيد الإنشاء، مثل مشروع «يونايتد سولار بولي سيليكون» في المنطقة الحُرة بصحار، والَّذي يُعَد من بَيْنِ أهم المشروعات الصناعيَّة على مستوى المنطقة، والَّذي يستهدف إنتاج (100) ألف طن سنويًّا من مادَّة البولي سيليكون، المكوِّن الرئيس لخلايا ألواح الطاقة الشمسيَّة الَّتي تشهد طلبًا عالميًّا وإقليميًّا متناميًا، ومصنع الألواح الشمسيَّة الَّذي دشَّنته شركة «شيدا» لإنتاج الألواح الشمسيَّة على مساحة أكثر من (11) ألف متر، وتوقيع اتفاقيَّة مع شركة «جيه سولار» الصينيَّة لتشييد مصنع للخلايا والألواح الشمسيَّة باستثمارات (565) مليون دولار أميركي، موجّهة بشكلٍ رئيس إلى الأسواق الخليجيَّة والإفريقيَّة، ومشروع «شركة موارد التوربينات» في الدقم الَّذي يستهدف تصنيع توربينات الرياح باستثمارات تقدَّر بـ(181.8) مليون دولار، وهناك دراسة لإنشاء مصنع لتجميع مادة الإلكترولايزر الَّتي تدخل في إنتاج الهيدروجين الأخضر بالتعاون مع الصين.
هذه المشروعات تعزِّز موقع سلطنة عُمان في مجال سلاسل التوريد العالميَّة، مستفيدةً من توافر المواد الخام كرمال السيليكا عالية الجودة، وقوَّة سطوع الشمس وحركة الرياح طوال العام، فضلًا عن الموقع الجغرافي الاستراتيجي على أحد أهم الممرَّات البحريَّة الدوليَّة، وحزمة من المبادرات والحوافز الاستثماريَّة الَّتي طرحتها الحكومة العُمانيَّة على مدار السنوات العشر الماضية؛ لجذب رؤوس الأموال الأجنبيَّة لتوطين الصناعات النوعيَّة المتقدمة، شملت الإعفاءات الضريبيَّة وإتاحة الملكيَّة الأجنبيَّة كُليًّا، وتبسيط إجراءات الترخيص، وإنشاء المناطق الاقتصاديَّة الخاصَّة الَّتي بها بنية أساسيَّة قادرة على احتضان الصناعات المتقدمة، وتمكين القِطاع الصناعي، من خلال إطار تنظيمي مَرِن، يعزِّز القِيَمة المحليَّة المضافة، ويربط المستثمرين الأجانب بالفرص الصناعيَّة الواعدة على أرض سلطنة عُمان، الَّتي صارت مركزًا مثاليًّا لتأسيس المشاريع النوعيَّة.
كما تسعى سلطنة عُمان من خلال هذه المشروعات لتعزيز سلاسل التوريد، بإنشاء شبكة متكاملة من الشركات والأنشطة والموارد، تقوم بعمليَّات الإنتاج، بداية من المواد الخام المتوافرة على أرضها، وتوطين التقنيَّة الحديثة اللازمة لعمليَّة التصنيع حتَّى تصل إلى المستهلكين، مرورًا بخدمات التسويق والتوريد والتخزين والتوزيع وإدارة المخزون، مستلهمةً التجارب الدوليَّة الناجحة الَّتي استطاعت النهوض ببلادها من خلال الصناعات النوعيَّة، فقد حققت شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات أكبر مصنع لإنتاج الرقائق الإلكترونيَّة في العالم (11.4) مليار دولار أرباحًا في 2024، وتتوقع أن تصل أرباحها إلى (42) مليار دولار في 2025.
محمد عبد الصادق
كاتب صحفي مصري