الأحد 14 ديسمبر 2025 م - 23 جمادى الآخرة 1447 هـ
أخبار عاجلة

شراع : قرصنة أميركية أوروبية على فنزويلا وروسيا

شراع : قرصنة أميركية أوروبية على فنزويلا وروسيا
الأحد - 14 ديسمبر 2025 03:17 م

خميس بن حبيب التوبي

10


تطوُّرات الأحداث في القارَّة الأميركيَّة الجنوبيَّة، والقارَّة العجوز تتصدر المشهد العالمي على خطوتيْنِ تقف وراءهما كُلٌّ من الولايات المُتَّحدة بقرصنة ناقلة نفط فنزويليَّة ضخمة، وفرض عقوبات جديدة على ثلاثة من أبناء شقيقة الرَّئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، ورجُل أعمال مقرَّب من الحكومة، وستِّ شركات تشحن النفط الفنزويلي. وأوروبا بقرصنة أموال روسيا الاتحاديَّة؛ وذلك بإقدام بروكسل على تجميد الأصول الروسيَّة، وهو ما عدَّته موسكو سرقة على المكشوف.

ويعكس هذان التطوُّران الشَّراهة الاستعماريَّة، والتَّكامل بَيْنَ كُلٍّ من الاتِّحاد الأوروبي وأميركا في استخدام إمكاناتهما لإبقاء ربقتهما على رقبة هذا العالم، وقيادته مِن رَسَنِه إلى حظيرة الامبرياليَّة الاستعماريَّة والرأسماليَّة المُتَوَحِّشة، وإن بدا اختلافهما ظاهريًّا في الملفِّ الأوكراني.

وإذا كانتِ الرَّغبة لدَى تلك الأطراف في الحرب لا تكفي كَيْ يُقالَ إنَّها وشيكة، والتَّلويح بها لا يكفي لِتتحققَ بعض الأهداف، وإنَّ الاشتباك الخشن، والصِّدام المباشر، بَيْنَ القارَّة العجوز والدُّب الرُّوسي، والَّذي يتوقَّعه البعض، تردعه في الواقع القوَّة النوويَّة لدَى الجانبَيْنِ، فإنَّه على الجانب الفنزويلي لا تبدو الصُّورة ذاتها؛ وذلك لغياب قوَّة الرَّدع النَّووي، إلَّا في حال كان لدَى كُلٍّ من الصِّين وروسيا موقف حازم بإعلانهما معًا أو أحَد مِنهما أنَّ فنزويلا محميَّة بمظلَّتهما النوويَّة، حينئذ يُمكِن أنْ تتبدلَ المواقف، وتتراجعَ واشنطن عن اندفاعها وتبدأ بحساب خطواتها.

وأمس الأول وجَّه الرَّئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو تحذيرًا إلى نائب المبعوث الأميركي الخاص، جون كول، من أنَّ «تورُّط الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة في حرب في فنزويلا، قد يؤدِّي إلى تكرار سيناريو فيتنام». وقال المندوب الدَّائم لبيلاروسيا لدَى الأُمم المُتَّحدة، فالنتين ريباكوف، عقبَ محادثات أميركيَّة بيلاروسيَّة عُقدتْ في مينسك بَيْنَ لوكاشينكو ونائب المبعوث الأميركي الخاص جون كول: «تحدَّث الرَّئيس البيلاروسي بصراحة تامَّة مع الوفد الأميركي حَوْلَ هذا الموضوع، وحذَّر من أنَّ جرَّ الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة إلى مِثل هذه الحرب لن يعنيَ سوى تكرار تجربة فيتنام بالنِّسبة للولايات المُتَّحدة». ويُمكِن الفَهْمُ من سياق هذا التَّحذير أنَّ فنزويلا من الوارد جدًّا أنَّها لن تكُونَ وحْدَها في مواجهة الولايات المُتَّحدة، لا سِيَّما وأنَّ هناك الكثير يناصبها العداء، ويرَى في الزَّجِّ بها في أُتون حربٍ فرصةً لإضعافها وإنهاك اقتصادها ـ المُنهك أساسًا ـ الَّذي بسببه تستشري الشهيَّة الأميركيَّة الاستعماريَّة للسَّيطرة على مصادر الثَّروات في العالم؛ لِكَيْ تُعِيدَ القوَّة المتراجعة لاقتصادها؛ وبالتَّالي تتمكَّن مِن استعادة هيمنتها التَّامَّة على العالم.

وعلى الصَّعيد الأوكراني، من الواضح أنَّ ما أقْدَمَ عليه الاتِّحاد الأوروبي من تجميد الأُصول الروسيَّة و»سرقة» الأموال الروسيَّة ـ حسب التَّوصيف الرَّسمي الرُّوسي ـ يكشف أنَّ أوروبا، وتحديدًا الدوَل المتصدرة للمشهد والدَّاعمة بالمال والسِّلاح لأوكرانيا، باتتْ مستنزَفةً، في الوقت الَّذي تتقدم فيه موسكو على الميدان بوتائر محسوبة، وعليه لم تجدْ سوى القرصنة على الأموال الروسيَّة لتمويلِ حرب الاستنزاف بقيادة أوكرانيا من جهة، وعرقلة التَّفاوض بَيْنَ واشنطن وموسكو من جهة أخرى.

اللافت في المشهدَيْنِ الفنزويلي والأوكراني أنَّ كُلًّا من أميركا وأوروبا يتأبَّط حججه الواهية لإشباع النَّهم الاستعماري، واستعادة الهيمنة المُطْلقة؛ فحين ننظر إلى ذريعة واشنطن لتبريرِ وجودها العسكري في منطقة البحر الكاريبي بـ»محاربة تهريب المخدِّرات»، وكذلك ذريعة بروكسل بالخوف من الدُّب الرُّوسي وتهديده لأوروبا، نجد أنَّهما ذريعتان واهيتان لا أساس لهما على أرض الواقع، بل على العكس لا يوجد ما يوثِّق أنَّ فنزويلا تصدِّر المخدِّرات، كما أنَّه لو صحَّتْ هذه الرِّواية الأميركيَّة يُمكِن حلُّها بطُرقٍ ووسائلَ أكثر احترافيَّة من التَّلويح بغزو دَولة نفطيَّة وذات مصادر ثروات هائلة، في حين على الجانب الرُّوسي ـ الأوكراني كُلُّ الشَّواهد أثبتتْ أنَّ مَن مارس التَّعدِّي والتَّهديد، ونَقَضَ الاتِّفاقات المُوَقَّعة بَيْنَ الغرب بقيادة الولايات المُتَّحدة وروسيا هو الجانب الغربي؛ بهدف محاصرة روسيا وتحجيمها وإضعافها ورُبَّما تفتيتها إلى كيانات كما جرى في يوغوسلافيا الَّتي أدَّى تفكيكها إلى ظهور سبع دول منفصلة.

خميس بن حبيب التوبي

[email protected]