السبت 13 ديسمبر 2025 م - 22 جمادى الآخرة 1447 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن : اندماج القيادة والمجتمع فـي معادلة الاستقرار

السبت - 13 ديسمبر 2025 04:06 م

رأي الوطن

20


يُشكِّل الحرص السَّامي لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم القائد الأعلى ـ حفظه الله ورعاه ـ على إقامة حفل عشاء لأبنائه من منتسبي قوَّات السُّلطان المُسلَّحة، بمناسبة يوم قوَّات السُّلطان المُسلَّحة، تعبيرًا واضحًا عن فلسفة قيادة ترى في هؤلاء الأبناء ركيزةً أساسيَّة في بناء الوطن، وصون استقراره. ويتجسَّد هذا الحرص كرسالة تقدير مباشرة للدَّوْر الوطني العظيم الَّذي يضطلع به منتسبو قوَّات السُّلطان المُسلَّحة في الدِّفاع عن الوطن في كُلِّ رُبوعه وثغوره، والذَّود عن مقدراته، وحفظ الأمن والأمان لعُماننا الحبيبة، وصيانة معانيها وقِيَمها في كُلِّ حدَبٍ وصوب. فالحدث هنا يحمل دلالة تتجاوز إطار المناسبة ليؤكِّدَ أنَّ العلاقة بَيْنَ القائد الأعلى والمؤسَّسة العسكريَّة قائمة على الرعاية والوفاء والثقة، وأنَّ مَن يحملون شرف الواجب العسكري يحظون بمكانة راسخة في وجدان عاهل البلاد المُفدَّى، وكافَّة أجهزة ومؤسَّسات الدَّولة. فالرُّؤية السَّامية تعكس أيضًا إدراكًا عميقًا بأنَّ قوَّة الوطن تبدأ من الإنسان، وأنَّ استقرار المُجتمع يَقُوم على تقدير مَن يحمونه بصمتٍ وانضباط، لِيظلَّ الوطن آمِنًا، متماسِكًا، وقادِرًا على مواصلة مَسيرة نهضته المُتجدِّدة بثبات.

ويكتسب هذا المعنى عُمقًا أكبر انطلاقًا من الرُّؤية السَّامية الحريصة على مواصلة لقاء عاهل البلاد المُفدَّى بأبنائه، والتعرُّف على احتياجاتهم؛ إدراكًا لِمَا يحملونه من رسالة وطنيَّة عظيمة تجاه الوطن والمُجتمع. فالأمن في التجربة العُمانيَّة لم يختزل يومًا في مفهوم عسكري ضيِّق، وإنَّما تُشكِّل كمنظومة استقرار شاملة تُدار بعقلٍ هادئ، وتُمارَس بعيدًا عن الاستعراض. ولعلَّ هذا الفَهْم هو مَن جعل الأمن قاعدةً للحياة اليوميَّة، يعيش في ظلِّها المواطن والمُقِيم شعور الطُّمأنينة، ويواصلان العمل والإنتاج ضِمن بيئة مستقرَّة تعرف قِيمة التَّوازن بَيْنَ القوَّة والحكمة. وتأتي أدوار قوَّات السُّلطان المُسلَّحة في هذا السِّياق بوصفِها صمام أمان يحمي المُجتمع من القلق قَبل أنْ يحميَه من الخطر، ويبقي الاستقرار حالة طبيعيَّة ممتدَّة، شهد بها القاصي والدَّاني واعترف بها العالم أجمع، وباتتِ الصورة الذهنيَّة لسلطنة عُمان أنَّها واحة من الأمن والاستقرار والسَّلام المُجتمعي. ومن هذا المنطلَق، تتجسَّد العلاقة بَيْنَ المؤسَّسة العسكريَّة والمُجتمع كعلاقة حماية مستقرَّة، تُتيح لعُمان أنْ تمضيَ في مسارها التَّنموي بثقة، مستندةً إلى أمن راسخ يسبق الأحداث ولا ينتظرها.

ولعلَّ أبرز ما يُميِّز العلاقة المتفردة بَيْنَ القيادة العُليا بما تحمله من رؤية سامية، وبَيْنَ قوَّات السُّلطان المُسلَّحة والمُجتمع العُماني، أنَّها علاقة اندماج قِيَمي رسَّخها جلالة السُّلطان ـ أبقاه الله ـ وحرص على أنْ تبقى مترابطةً كوحدة واحدة، فهذه العلاقة لم تُبْنَ على الفصل بَيْنَ العسكري والمَدَني، وإنَّما على تماهي الأدوار داخل إطار وطني جامع، تشكَّلت فيه قوَّات السُّلطان المُسلَّحة من نسيج المُجتمع نفْسه، وحملت قِيَمه وسُلوكه وأخلاقيَّاته، وهو ما جعلها عنصرَ توازنٍ داخلي يُعزِّز الاستقرار، ويمنح الدَّولة قدرةً مستدامة على الحفاظ على تماسُكها، هذا الاندماج القِيَمي أسَّس ثقة متبادلة، جعلتِ المؤسَّسة العسكريَّة امتدادًا طبيعيًّا للمُجتمع، وعنصر حماية للنِّظام العام، تعمل في إطار احترام القانون وضبط القوَّة، وبعيدًا عن أيِّ مظاهر استعراض أو قطيعة مع الواقع الاجتماعي. ومن خلال هذه الرُّؤية السَّامية، تحوَّل الجيش إلى حارس للتَّوازن الوطني، يحمي مسار الدَّولة التَّنموي، ويصون النَّسيج المُجتمعي من أيِّ اختلال، لِتبقَى عُمان نموذجًا لدولةٍ نجحت في توحيد القوَّة والقِيَم داخل منظومة واحدة تخدم الإنسان والوطن في آنٍ واحد.

ويكتمل هذا المشهد الوطني عِندَما يمتدُّ هذا الحرص السَّامي لِيشملَ مَن أدّوا واجبهم وواصلوا خدمة الوطن في مراحل سابقة، في رسالة واضحة بأنَّ العطاء لعُمان قِيمة مستمرَّة لا ترتبط بزمن الخدمة فقط. فالوفاء للمتقاعدين العسكريين والمَدَنيين يرسِّخ شعورًا عامًّا بالأمان الاجتماعي، ويُعزِّز ثقة الأجيال الحاليَّة والمُقبلة في منظومة وطنيَّة تحفظ حق الإنسان، وتقدِّر جهده، وتحتفظ بذاكرته كجزء من قوَّتها المعنويَّة، وهو ما ينعكس مباشرة على تماسُك المُجتمع، ويمنحه قدرة أكبر على مواجهة التَّحوُّلات بثبات، مستندًا إلى رؤية سامية تدرك أنَّ الإنسان أساس الاستقرار، وتعمل دائمًا على تقدير من خدمها استثمارًا في مستقبلها، وبهذا النَّهج، تمضي عُمان في مَسيرتها التنمويَّة واثقة الخُطى، محاطةً بمؤسَّسات متماسكة، ومُجتمع آمِن، وقيادة حكيمة تُدرك أنَّ قوَّة الوطن تُقاس بما تحمله من قِيَم، وما تصونه من إنسان.