أيها الأحباب.. من آيات الله سبحانه وتعالى أن خلق البشرية مختلفة الأطباع والرغبات، ولا يتفقون في الاحتياجات والمتطلبات، على الرغم من أن أصلهم واحد ومن أبٍ واحدٍ وأمٍ واحدة، وحتى يتم إعمار الأرض وتدوم حياة البشرية عليها، جعل الله بينهم التكاثر بضوابط قوية ومواثيق غليظة ألا وهي الزواج، ولذا فقد رغَّبَ الإسلام في الزواج وذلك لأنه من سنن الأنبياء والمرسلين، وهم خيرة خلق الله أجمعين، فالزواج في حد ذاته نعمة من نعم الله تعالى العظيمة، فبه تحكم الشهوات، وبه يحصن الشباب وتفف البنات، وبه تستقيم المجتمعات، وبه تقوم الأسرة ابنًا عن أبٍ عن جدٍ، وبقيام الزواج تنتظم الأمور وتكتمل المنظومة الحياتية، كما جعل للزواج طرقًا مشروعة جعلها دينية من أركان الدين، ضبطه الشارع الحكيم منذ الخطبة وحتى الديمومة الحياتية بين أفراد الأسرة التي كان نواتها الزوجان، ولا يتربى الجيل الصاعد والولد الصالح إلا في جنبات أسرة متألفة مترابطة متحابة متفاهمة، بين أبٍ يكدح ليوفر وسائل العيش المتكامل، وأمٍّ حنونةٍ تقوم السلوك وتخرج الشباب العامل، وحتى يقوم هذا التناغم بين أفراد الأسرة فإنّ الإسلام حرص على أن يرقى بمشاعر الزوجين ويسمو بروحهما، ليكونا نسيجًا واحدًا لا يصلح أن يختل من خيط خارج النسيج، وصدق الله تعالى إذ يقول:(وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِّيثَاقًا غَلِيظًا) (النساء ـ ٢١)، وقد جعل الله تعالى الزواج عبادة يتقرب بها الزوجان إلى الله عزوجل، حتى في القضاء الحميم بينهما يأخذ كل منهما ثوابًا من ربه، ففي هذا (عن الصَّحابي الجَليل أَبي ذرٍّ الغِفاريّ ـ رَضِي اللهُ عنه: أنَّ نَاسًا مِن أَصْحَابِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قالوا للنَّبيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: يا رَسولَ اللهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بالأُجُورِ؛ يُصَلُّونَ كما نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كما نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ، قالَ: أَوَليسَ قدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ ما تَصَّدَّقُونَ؟ إنَّ بكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بالمَعروفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عن مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وفي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، أَيَأتي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكونُ له فِيهَا أَجْرٌ؟ قالَ: أَرَأَيْتُمْ لو وَضَعَهَا في حَرَامٍ، أَكانَ عليه فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذلكَ إذَا وَضَعَهَا في الحَلَالِ كانَ له أَجْرٌ) (صحيح مسلم برقم 1006).. وللحديث بقية.
د.محمود عدلي الشريف