السبت 13 ديسمبر 2025 م - 22 جمادى الآخرة 1447 هـ

الارتقاء بالأخلاق والسلوك فى ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية «33»

الأربعاء - 10 ديسمبر 2025 12:15 م

أعزائي القراء.. نواصل معكم ما تبقى من سلسلة حلقات هذا الموضوع الهام.. ونقول: إن خُلق التوكل على الله سبحانه وتعالى من الأخلاق والصفات التى يحبها الله سبحانه وتعالى والتَّوَكُّلُ فى اللغة كما ورد فى مختار الصحاح:(إظهار العجز والاعتماد على غيرك)، والتوكل مأخوذ من الوكالة، يقال وكَّلَ أمره إلى فلان، أى فوض أمره إليه واعتمد فيه عليه، فالتوكل عبارة عن اعتماد القلب على الموكل، والإنسان لا يعتمد على غيره إلا إذا اعتقد فيه أشياء:(الشفقة والقوة والهداية)، فإذا عرفت هذا فقس عليه التوكل على الله سبحانه وتعالى، وإذا ثبت فى نفسك أنه لا فاعل سواه، مع اعتقادك أن الله تعالى تام العلم والقدرة والرحمة، وأنه ليس وراء قدرته قدرة، ولا وراء علمه علم، ولا وراء رحمته رحمة، فلا محالة أن قلبك سيتكل عليه، ولن يلتفت إلى غيره بوجه، وإذا لم يجد الإنسان هذه الحالة فى نفسه، فهذا يرجع إلى أمرين، الأول هو ضعف اليقين بأحد هذه الخصال، والثانى: ضعف القلب باستيلاء الجبن عليه وانزعاجه بسبب الأوهام الغالبة عليه، وقد تسيطر الأوهام عليه كمن قُدِمَ له عسلا ثم غلبت عليه الأوهام أن ذلك ليس بعسل وإنما هو شىء قذر، وتأثير القلب على التصرفات واضح جدًا فلو كُلِفَ عاقل أن يبيت مع ميت فى قبر أو فرش أو بيت لما استطاع وإن كان متيقًا أن الميت أصبح جمادًا وطبع الإنسان لا ينفر من الجماد، ولكن جبن القلب سيطر عليه، وقد يقوى ذلك حتى يصير مرضًا، حتى أن بعض الناس يخاف أن يبيت فى البيت وحده مع غلق الباب وإحكامه، وعلى ذلك فإنه لا يتم التوكل إلا بقوة القلب وقوة اليقين، ومن درجات التوكل أن يكون حاله مع الله تعالى كحال الطفل مع أمه، فإنه لا يعرف غيرها ولا يفزع إلى سواها ولا يعتمد إلا عليها وإذا نابه أمر كان أول خاطر يخطر على قلبه وأول سابق إلى لسانه: يا أماه، فإن من كان تألهه إلى الله ونظره إليه واعتماده عليه كلف به كما يكلف الصبى بأمه، فيكون متوكلا حقًا، إن التوكل على الله تنمى بالكسب والتدريب ومراجعة الآيات والأحاديث التى تثبت أمر التوكل على الله، وتدبرها وصفاء الذهن خاصة أننا لا نرى الله بأعيننا فى حياتنا الدنيا والذى أمامنا هم البشر الذين يملكون القوة والنفوذ، ولكنهم كلهم عبيد لله الملك القهار، وإذا أخذ المسلم بالأسباب وسعى لمن بيده قضاء مصالحه من البشر، فليعلم أن الله وحده هو قاضى الحاجات وأن البشر مجرد أسباب فالاعتماد إنما هو على الله سبحانه وتعالى.

د. أحمد طلعت حامد سعد 

 كلية الآداب ـ جامعة بورسعيد بجمهورية مصر العربية

[email protected]