الاثنين 15 ديسمبر 2025 م - 24 جمادى الآخرة 1447 هـ
أخبار عاجلة

الدفء العربي للمشاركة الفلسطينية

الدفء العربي للمشاركة الفلسطينية
الأربعاء - 10 ديسمبر 2025 09:07 ص

جودة مرسي

30


تشهد العاصمة القطريَّة الدوحة خلال الأيَّام الحاليَّة النُّسخة الحادية عشرة من بطولة كأس العرب لكرة القدم، الَّتي بدأت في الأول من الشهر الجاري وتنتهي في الثامن عشر منه. ويبلغ مجموع الجوائز الخاصَّة بها الأضخم وهو 36,5 مليون دولار، لِتتميزَ هذه الدَّوْرة بالعديد من المميّزات عن كُلِّ الدَّوْرات الَّتي اقيمت منذُ البطولة الأولى في لبنان العام 1963، حيثُ شاهدنا عرسًا فلسطينيًّا تمثَّل في بطولة لكرة القدم، ولم تكُنْ أجواء هذه الدَّوْرة من البطولة مجرَّد منافسة رياضيَّة أو حلم مونديالي للعبة يعشقها الكثير، بل تحوَّلت إلى احتفاليَّة عربيَّة واسعة عَبَّرَت خلالها الشعوب عن مواقفها الحقيقيَّة دون وسيط يمنع أو يسمح للتَّضامن مع الشَّعب الفلسطيني، أو تدخل أي حسابات سياسيَّة مدموجة بمصالح إقليميَّة، تحول بَيْنَها وبَيْنَ التَّعبير كما في مرَّات ومناسبات أخرى جعلت الخنوع أضمن، والتَّمسُّك بما نحن عليه من ذلٍّ وهوان آمن من أن نعبرَ بالرَّفض لِمَا يحدُث للشَّعب الفلسطيني من إبادة جماعيَّة ينفِّذها العدوُّ الصهيوني وحكومته المتطرفة ضدَّ أهالي غزَّة، وكانت اللَّوحة المضحكة المبكية المفرحة أثناء المباريات والَّتي رسمها اختلاط اللهجات والأهازيج والأعلام، وجمعها شعور واحد وهو الفخر بالهُوِيَّة الفلسطينيَّة وإعلاء أيِّ صوت يحمل الهُوِيَّة الفلسطينيَّة، وفي قلب هذا المشهد، برز الحضور الفلسطيني كقصَّة ملهِمة حملت معها الكثير من العاطفة، والكثير من المعاني الَّتي تتجاوز حدود المستطيل الأخضر.

منذُ لحظة دخول المنتخب الفلسطيني أرض الملعب، تعالت الهتافات من كُلِّ الجهات، ليس فقط من الجماهير الفلسطينيَّة، بل من الجماهير العربيَّة الَّتي جاءت من مختلف الأقطار لتجدِّدَ التَّأكيد على أنَّ فلسطين ليست وحدها، وأنَّ حضورها في أيِّ ساحة هو حضور الأُمَّة كُلِّها، وأنَّ مباريات كرة القدم وحضور الجماهير ليست المعنى المطلوب، بل هي الهدف المنشود لتوصيل الإحساس والتَّضامن من خلاله. فشاهدنا مشجِّعين يرتدون الكوفيَّة، وآخرين يرفعون العَلَم الفلسطيني إلى جانب أعلام بُلدانهم، وصوَر الشُّهداء والأسرَى الَّتي تحوَّلت إلى رمز إضافي للحضور والهُوِيَّة. وكان أحد الشواهد هو تلك الفرحة الَّتي عَبَّرَ عنها الجمهور القطري بفوز المنتخب الفلسطيني، ولم يبدِ أيَّ امتعاض على هزيمة فريقه رغم إقامة المباراة على أرضه، بل ذهب الجمهور إلى مشاركة المنتخب الفلسطيني فرحة الفوز بالمباراة، فيما كانت تصدح الأغاني الوطنيَّة الَّتي يعرفها الجميع، وكأنَّ كُلَّ ملعب أصبح مساحة صغيرة تختصر تاريخًا كاملًا من الصمود، كانت فرحة المشاركة الفلسطينيَّة أكبر من حسابات النّقاط والتَّرتيب، هي فرحة بوجود صوت فلسطيني قوي في بطولة عربيَّة كبيرة، فرحة بمنتخب يقاتل بروح عالية رغم كُلِّ التَّحدِّيات، وفرحة بجماهير عربيَّة شعرت أنَّ دعم فلسطين جزء طبيعي من نبضها. وبَيْنَ كُلِّ مباراة وأخرى، كانت المقاهي العربيَّة تمتلئ، وتعلو الأحاديث عن أداء»“الفدائي»، وعن الروح القتاليَّة الَّتي يقدِّمها اللاعبون، في مشهد يذكِّر بأنَّ كرة القدم ليست مجرَّد لعبة، بل مساحة للتَّعبير عن الانتماء والوعي والوحدة. لقد صنعت المشاركة الفلسطينيَّة حالة فريدة من الدفء العربي المشترك، حالة تُعِيد التَّذكير بأنَّ فلسطين، بكُلِّ ما تحمله من رموز ومعانٍ، ما زالت في القلب مهما تبدَّلت الأزمنة، واختلطت المفاهيم ورسمتها أيادٍ غريبة هدفها التَّلذذ بشهوة الانكسار وتغيير معالم التَّاريخ، وفي النِّهاية، بقي المشهد الأكبر جمهور عربي يحتفل معًا، يغني معًا، ويهتف لفلسطين من المحيط إلى الخليج، في واحدة من أجمل لحظات كأس العرب والَّتي تؤكِّد أنَّ الشعوب العربيَّة ما زالت تحمل في الذَّاكرة ثأرًا بَشَريًّا عربيًّا رغم التَّكسير الحاصل للسِّياقات والتَّاريخ.

جودة مرسي

[email protected]

من أسرة تحرير «الوطن»