السبت 13 ديسمبر 2025 م - 22 جمادى الآخرة 1447 هـ

حقول التجارب وفرضية الحقوق

حقول التجارب وفرضية الحقوق
الأربعاء - 10 ديسمبر 2025 08:50 ص

عادل سعد

30


•هي المصادفة وحدها في حصول اقترابٍ زمنيٍ بَيْنَ الميعاد السَّنوي للإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من ديسمبر (كانون الأول)، والإجراء الَّذي اتَّخذته وكالة الدَّواء الأميركيَّة بتقليل استخدام القرود حقل تجارب لقياس فعاليَّة الأدويَّة الَّتي يتمُّ ابتكارها.

•لا شكَّ أنَّ الوكالة اتَّخذت القرار للحدِّ من تفاقم الانتهاكات الحقوقيَّة الَّتي تتعرض لها هذه الحيوانات، خصوصًا وأنَّ بعضها ينفق نتيجة عدم تحمُّل أجسادها تحت تأثير مضاعفات سلبيَّة جانبيَّة، ومن ذلك أدوية أمراض السَّرطان وأمراض جهاز التَّنفُّس والأعصاب.

•والملاحظ، أنَّ خطوة المؤسَّسة الأميركيَّة حظيَتْ بمباركة واسعة من جمعيَّات حماية البيئة والمدافعين عن حقوق الحيوان، في حين ما زالت حقوق الإنسان تخضع إلى مداولات دوليَّة بعضها عقيم تحرِّكه مساومات وابتزاز واشتراطات، إن لم يكُنِ التَّغييب.

•هناك الآن قوائم طويلة من شعارات التَّنديد والإدانة والشَّجب الَّتي لم تتطورْ في يوم من الأيَّام إلى التَّدخُّل العاجل والحاسم لإنصاف المظلوميَّات.

•وبَيْنَما تنتهك وكالة الدَّواء الأميركيَّة مئات القرود الموظّفين لمهمَّات تطبيقيَّة دُونَ أن تأخذَ الإذن من أحد ما زالت ملايين الشُّعوب تحت سقف دولي يزدحم بخروقات حقوقيَّة صارخة مدوَّنة بالصَّوت والصورة، وإلَّا لماذا تطوَّرت المؤسَّسة الدوليَّة المعنيَّة بالسَّلام التَّابعة للأُمم المُتَّحدة من لَجْنة إلى مجلس بصلاحيَّات أكثر تشددًا؟ ولماذا تمَّ إنشاء منظَّمة الشفافيَّة العالميَّة الَّتي تستغرقها الآن مهمَّات معقَّدة لفضِّ مظلوميَّات تجارب على مدِّ النَّظر الزَّمني والجغرافي.

•هناك قائمة طويلة مخزية من الانتهاكات الحقوقيَّة الَّتي تتعرض لها شعوب تتطلع للعيش بسيادة وسلام مع ضمانات لتقرير مصير مستقبلها على أُسُس من العدل في الفرص.

•ما يكفي هنا، الإشارة إلى صناعة الحروب استبعادًا متعمدًا للمَثل القائل: آخر الدَّواء الكَيّ، ناهيك عن القتل الاقتصادي المنظَّم المتواصل المتمثل في نهب الثَّروات والتَّلاعب بالأسواق، ومحاصرة حقِّ الإنسان في الحصول على الابتكارات العلميَّة بذريعة حقِّ الملكيَّة الفكريَّة، ولماذا تتكرر خيبات الأمل لإقامة نظام دولي يُنصف حقوق الدوَل في تقاسم عادل لفرص التَّنمية المستدامة؟ ولماذا استمرار خرق سيادة شعوب في الاحتلال والتَّامر على تقرير مصيرها؟ ماذا يُسمَّى الَّذي يجري في الأراضي الفلسطينيَّة المُحتلَّة، الضفَّة الغربيَّة وغزَّة على أيدي «الإسرائيليين»؟، وكيف يُمكِن تبرير احتلالهم أجزاء من الأراضي السوريَّة؟ وأيّ انتهاكات أفظع من دكِّ النَّاس بالقنابل المُحرَّمة دوليًّا للقضاء على بَشَر مَدنيين لا حَوْلَ لَهُم ولا قوَّة في ردِّ الكوارث عنهم؟ وأيّ انتهاكات أخطر من الاستغلال المبرمج للبحار والمحيطات والغابات والأحراش الطبيعيَّة المصادر الأساسيَّة لحقوق الإنسان في الكسب والعيش الآمن.

•لقد ربحت القرود حقوقها، وهناك ضمانات لحقوق الفِيَلَة والحيوانات الأخرى للحدِّ من تجارة العاج والفرو والصَّيد الجائر، بَيْنَما تتذبذب إجراءات حقوق بَشَر باتوا حقول تجارب يَندى لها جبينُ الإنسانيَّة.

•تعرفوا على مأساة الاء النَّجَّار الطَّبيبة الفلسطينيَّة الاختصاص في مجمَّع ناصر الطبِّي بغزَّة حين جلبوا لها أطفالها التِّسعة جثامين بعد قصف «الإسرائيليين» بيتها، تبصَّروا من كِتاب القاتل الاقتصادي للباحث الأميركي جون بيركنز الَّذي تضمَّن اعترافات موثَّقة عن انتهاكات حقوقيَّة مفجعة ترتكبها شركات متوحِّشة عابرة للقارَّات، بل توقَّفوا عِندَ تسريبات لتحقيقٍ دولي في مهضوميَّة المساواة في الفرص التَّنمويَّة، تعرَّفوا على شهادات مؤلمة للنَّاشطة الحقوقيَّة السويديَّة الشَّابَّة جريتا تونبرج فضحًا لمساومات الإتجار بالبَشَر والإضرار بالطَّبيعة.

•بخلاصة استنتاجيَّة، لا خلاصَ دوليًّا من متواليات هضم حقوق الإنسان ما دامت المعايير المزدوجة تتحكم وتُبيح المساومات وتبادل المنافع بشروط النُّفوذ والهيمنة.

•إنَّ إرساءً مجديًا لحقوق الإنسان لا يتطلب إلَّا الأمر بمعروف ترسيم أولويَّاتٍ عادلةٍ، وتلك هي العقدة الَّتي لم تُحسم حتَّى الآن.

عادل سعد

كاتب عراقي

[email protected]