تتجلَّى حفاوة الاستقبال الَّتي خصَّ بها حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ فخامةَ الرئيسِ العماد جوزاف عون رئيس الجمهوريَّة اللبنانيَّة في صورة سياسيَّة تحمل دلالات راسخة؛ إذ بدا المشهد منذُ لحظة وصول الطَّائرة وكأنَّه رسالة واضحة تحمل لمسةً خاصَّة تُميِّز النَّهج العُماني في بناء العلاقات العربيَّة، وذلك عَبْرَ الاحترام العميق والالتزام الصَّادق. فحضور جلالته عند سلَّم الطَّائرة يمنح الزِّيارة قِيمةً معنويَّة تعكس مكانة لبنان في الدبلوماسيَّة العُمانيَّة والوجدان العربي، ويُشير إلى رغبة واضحة في دفع العلاقة الثنائيَّة الممتدَّة نَحْوَ مستوى أكثر حيويَّة، بما يُعِيد تأكيد الأساس المتين الَّذي قامت عليه الرَّوابط بَيْنَ البلدَيْنِ منذُ عقود. لقَدْ حرص عاهل البلاد المُفدَّى أنْ تتحولَ لحظة الاستقبال إلى مساحة تبرز فيها شخصيَّة الدَّولة الَّتي تُقدِّم الثِّقة عَبْرَ أفعال هادئة تحمل قوَّة تأثيرها دُونَ صخَبٍ، فتضع أساسًا جديدًا لعلاقة تستمدُّ قوَّتها من الصِّدق في الإشارات الأُولى، وتمنح الزِّيارة إطارًا يُمهِّد لمرحلة تعمل على تحويل الاحترام المتبادل إلى تعاون قادر على إنتاج قِيمة حقيقيَّة للشَّعبَيْنِ العُماني واللّبناني.
وتأكيدًا على أنَّ تلك الزِّيارة ستُشكِّل دفعةً كبرى للعلاقات الوطيدة بَيْنَ البلدَيْنِ، جاءت جلسة المباحثات الرسميَّة بَيْنَ جلالة السُّلطان وفخامة الرَّئيس الضَّيف لِتضعَ أساسًا جديدًا لروحِ التَّقدير المتبادل، وتمنح الزِّيارة بُعدها العملي، وتفتح الطَّريق أمام مرحلة تتجاوز المظاهر الأُولى نَحْوَ عمل مشترك قادر على إنتاج أثَرٍ حقيقي. فقَدْ تناول الحوار ملفَّات اقتصاديَّة وتجاريَّة وزراعيَّة وسياحيَّة، في إشارة واضحة إلى رغبة صادقة في بناء شراكة تتَّسع لمشاريع استثماريَّة وتنمويَّة تُعزِّز موقع البلدَيْنِ داخل المشهد الإقليمي. ويكشف هذا التَّوَجُّه عن إدراك عُماني عميق لقِيمة دعم الدوَل العربيَّة الَّتي تواجه تحدِّيات معقَّدة عَبْرَ مسارات تساعدها على استعادة النُّمو وتوسيع قدراتها الإنتاجيَّة، كما يُظهر في الجانب اللّبناني حرصًا على التَّعاون مع دَولة تمتلك ثقلًا سياسيًّا واقتصاديًّا قادرًا على الإسناد والمسانَدة. وتبرز من خلال هذه المباحثات صورة علاقة تتَّجه نَحْوَ تأسيس قاعدة طويلة المدى، تُبنى على رؤية واضحة تجمع بَيْنَ الإرادة السياسيَّة، والقدرة على تحويل الإمكانات المتاحة إلى مشاريع تخدم المصالح المشتركة.
إنَّ أهمَّ ما يُميِّز الزِّيارة هو الدَّمج الَّذي تشهده بَيْنَ البلدَيْنِ الاقتصادي والسِّياسي، حيثُ تتجسَّد في بُعدها الإقليمي الَّذي يعكس حاجة المنطقة إلى علاقات عربيَّة تُعِيد التَّوازن داخل مشهد تتزاحم فيه الأزمات. فالحوار الَّذي جمع قادة البلدَيْنِ الشَّقيقَيْنِ امتدَّ إلى قراءة أعمق لطبيعة المرحلة الَّتي تمرُّ بها منطقة الشَّرق الأوسط، ويبرز من خلاله الدَّوْر العُماني الَّذي اختار ـ عَبْرَ عقود ـ طريق الحكمة والدبلوماسيَّة الهادئة لبناء مساحات تفاهم تمنح الدوَل قدرةً أعلى على مواجهة التَّحوُّلات. ويأتي الحضور اللّبناني في هذا التَّوقيت لِيؤكِّدَ أنَّ العلاقات العربيَّة يُمكِن أنْ تستعيدَ قوَّتها عَبْرَ مسارات تستند إلى احترام السِّيادة ودعم الاستقرار، وإتاحة الفرص أمام الدول لإعادة ترتيب أولويَّاتها بعيدًا عن الضغوط العابرة، كما تُشير هذه الزِّيارة إلى تقاطع حقيقي بَيْنَ رؤية عُمانيَّة تعمل على تثبيت الأمن والاستقرار عَبْرَ حلٍّ عادل وشامل لكافَّة قضايا المنطقة، لِيتقاطعَ ذلك مع رغبة لبنانيَّة في الانفتاح على شركاء يَمْنَحُون التَّعاون عُمقًا سياسيًّا واقتصاديًّا ينسجم مع تحدِّيات المرحلة ويؤسِّس لوجود عربي أكثر تماسكًا.
ومن المؤكَّد أنَّ الزِّيارة تُشكِّل نقطة تحوُّل حقيقيَّة في تطوير العلاقة الثنائيَّة عَبْرَ مبادرات تنمويَّة تتكامل فيها الأبعاد الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة وتستفيد من الإمكانات المتاحة لدَى الجانبَيْنِ، بما يمنح مسار التَّعاون قوَّة إضافيَّة داخل محيط عربي يحتاج إلى شراكات تعتمد التَّخطيط المشترك وإعلاء قِيمة الإنسان في بناء المستقبل.