الجمعة 12 ديسمبر 2025 م - 21 جمادى الآخرة 1447 هـ
أخبار عاجلة

القرآن الكريم وفن الدبلوماسية «بروتوكول وإتيكيت نظام الأسبقية وحضور المنتديات والفعاليات الدولية» «1»

القرآن الكريم وفن الدبلوماسية «بروتوكول وإتيكيت نظام الأسبقية وحضور المنتديات والفعاليات الدولية» «1»
الثلاثاء - 09 ديسمبر 2025 09:27 ص

د. سعدون بن حسين الحمداني

330

يتفاخر الدبلوماسيون من مختلف المدارس الدبلوماسيَّة الأجنبيَّة حَوْلَ طبيعة بروتوكول وإتيكيت نظام الأسبقيَّة وكاريزما وسِمات موظَّفي العلاقات العامَّة أو المراسم أو التَّشريفات، وكيف يتبارون بتحديث هذا النِّظام في كُلِّ أنشطة الحياة الاجتماعيَّة، سواء الرَّسميَّة منها أو الشَّخصيَّة، وكذلك كيفيَّة احترام وتقدير الدَّرجات الوظيفيَّة من أعلى إلى الأقل، وكيفيَّة تقديم الأسبقيَّة والأولويَّة، سواء في الحضور أو التَّقديم أو الكلام. ويُعَدُّ نظام الأسبقيَّة في هذه المدارس من الأولويَّات في فنِّ الدبلوماسيَّة، سواء في المفاوضات أو حضور أنشطة السّفارات أو المشاركة في الفعاليَّات والمنتديات الرَّسميَّة مهما كانت درجتها. وكنَّا نستغرب، بل نتعلم منهم هذه الأمور ونحن أهلها وأصولها. والأسبقيَّة في لُغة العرب تعني الأولويَّة، الأقدميَّة، الاحترام، التَّقدير.. مثلًا: نال التَّرقية بالأسبقيَّة، وأخيرًا الأسبقيَّة زمانًا والمتعارف في نظام الاستقبالات أو الجلوس في اجتماعات مجلس الوزراء وغيرها. واعتمدت المدارس والمعاهد الدبلوماسيَّة الغربيَّة صراحةً على مدرستين عريقتين وهما المدرسة البابليَّة، والمدرسة الإسلاميَّة والآيات القرآنيَّة الكريمة، وعدَّتِ الآيات الشَّريفة أُسُسًا لتطوير مبادئها في هذا المجال.

إنَّ القرآن الكريم تحدَّث عن هذا الموضوع، وتناوله بشيءٍ من التَّفصيل والعُمق منذُ نشوء الدَّعوة الإسلاميَّة المباركة؛ فإنَّ الأسبقيَّة من الأساليب الَّتي استخدمها القرآن في كثير من المواضع. وكان رسولنا الكريم يحثُّ على هذا النَّسق الرَّاقي في الحياة من احترام وتقدير وأسبقيَّة في النِّظام لجميع شرائح المُجتمع العائلي الاجتماعي أو الرَّسمي ابتداءً من العلماء، الوالدين «كبار السن»، المرأة، الأطفال، شرائح المُجتمع المختلفة من حيثُ الأسبقيَّة والاحترام والأولويَّة في كُلِّ شيء.. قال تعالى: «وَهُوَ الَّذي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ» ١٦٥ الأنعام) والمعنى في عِلم المنطق ليس فضلكم في الرِّزق أو التَّقوى فقط، وإنَّما في شؤون الحياة عامَّة؛ لِيجعلَ الأسبقيَّة لِمَن هو مجاهد بالحياة بكُلِّ إخلاص وتضحية من أجْلِ هدف سامٍ، لذلك فضَّله الله سبحانه وتعالى على الجالس الَّذي لا فائدة له بالمُجتمع، حتَّى أنَّ إتيكيت الجلوس في حضرة رسولنا الكريم كان في منتهى الاحترام والتَّقدير من حيثُ القِدم في الإسلام؛ فالتَّاريخ يخبرنا بأنَّ الإمام علي ـ كرَّم الله وجْهَه ـ لا يجلس بجنب الرَّسول الكريم وهو ابن عمه وزوج ابنته، بل كان يجلس بعد صحابة رسولنا الكريم في المسجد، ولا يتجاوز الكلام عنهم، إلَّا أن يطلب الإذن من المتكلم ومن رسولنا الكريم، هذا هو خلاصة نظام الأسبقيَّة في السِّيرة النَّبويَّة الشَّريفة.

في وقتنا الحاضر تؤكِّد المدارس الدبلوماسيَّة أنَّ موظَّفي العلاقات العامَّة أو المراسم هُمْ أهمُّ بكثير من هرم الجهة، سواء كان وزيرًا أو أعلى؛ لأنَّ الخطأ سوف يُسجَّل سلبيًّا على الدَّولة أو الوزارة، وليس على الشَّخص؛ لذلك تُعدُّ دائرة العلاقات العامَّة أو المراسم أهمَّ جهة رسميَّة وتسعى دائمًا إلى شحن وتطوير وصقل مهارات وكاريزما موظَّفيهم بأحدَث المعلومات الأكاديميَّة المتخصِّصة بالمهارات الدبلوماسيَّة ومفاهيم البروتوكول، وهو عِلم متجدِّد دائمًا مستندًا إلى التَّغيُّرات الحكوميَّة والاجتماعيَّة الحاصلة؛ لذا ينصح باختيار موظفين في التَّنمية ويمتازون بالدقَّة والحِرفيَّة والمهنيَّة، بالإضافة إلى «الطول والوزن والشَّهادة الجامعيَّة واللُّغات والحالة الصحيَّة» بعيدًا عن العلاقات الشَّخصيَّة أو الاجتماعيَّة. أمَّا الخبرة فتأتي من خلال رغبة الشَّخص أوَّلًا وثانيًا من خلال الحلقات المتخصِّصة والرَّصينة والمستمرَّة في هذا المجال.

منتدى الدوحة 23 الَّذي انعقد بالأسبوع الماضي في دوحة العرب كان في التَّنمية والدقَّة في حفل الافتتاح، وهو اختبار يليق بدَولة قطر الشَّقيقة أن تجتازَ هذا الاختبار كالعادة، وتأخذ درجة كاملة تقريبًا من حيثُ تقسيم المهام والواجبات وبفِرق تعمل خلال 24 ساعة من (المقدمة أ) أي من المطار واستقبال الضيوف وفريق النَّقليَّات بسيَّارات مخصَّصة حسب نظام الأسبقيَّة بنوع السيَّارة، وكذلك فِرق الفنادق، والأهم من ذلك حُسن ودقَّة الافتتاح، حيثُ زاد الحضور عن أكثر من (800) شخص من كبار الشَّخصيَّات ومن (100) دَولة، تمَّ تقسيم القاعة الكبرى إلى مستقيمات طوليَّة ومربَّعات تحمل الأحرف (A & B & C &D &E). حضر المنتدى أصحاب السُّمو والفخامة والسَّعادة ورؤساء ووزراء الدول والحكومات ورؤساء المنظَّمات الإقليميَّة والدوليَّة. أثبَتَ موظَّفو العلاقات العامَّة أو المراسم كفاءة عالية في منتهى الدقَّة بجميع مفردات الافتتاح وبنظام الأسبقيَّة، وهذا ما ينعكس إيجابًا على هُوِيَّة وسِمات دوحة العرب الَّتي تميَّزت ـ وكما عوَّدتنا ـ بأن تكُونَ منصَّة عالميَّة بجميع مفردات البروتوكول والإتيكيت الحكومي والتَّفرد باستضافة الفعاليَّات الدوليَّة، سواء على مستوى كأس العالم لكرة القَدم أو الألعاب الأولمبيَّة الأخرى أو الفعاليَّات الرَّسميَّة الحكوميَّة.

د. سعدون بن حسين الحمداني

دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت