الجمعة 12 ديسمبر 2025 م - 21 جمادى الآخرة 1447 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن : محطة جديدة فـي مسار الثقة الدولية والنمو الاقتصادي

الثلاثاء - 09 ديسمبر 2025 04:27 م

رأي الوطن

310

تحكم تصنيفات وكالات الائتمان ذات الموثوقيَّة العالية حركة الاستثمار العالمي؛ لأنَّها توفِّر للمؤسَّسات الماليَّة خريطة واضحة لمستوى المخاطر في كُلِّ دولة، كما أنَّها تُحدِّد بوضوح قدرة الاقتصادات على جذب رؤوس الأموال وتمويل المشاريع الاستراتيجيَّة بكلفة أقل. ومن هنا تعتمد الشَّركات الدوليَّة على هذه المؤشِّرات كأداة رئيسة لِفَهْمِ قوَّة السِّياسات الماليَّة واستقرار البيئة الاقتصاديَّة قَبل اتِّخاذ قرار التَّوسُّع أو الدخول في شراكات جديدة، خصوصًا في الأسواق النَّاشئة أو النَّامية. ومن هذا المنطلَق يأتي رفع التَّصنيف الائتماني لسلطنة عُمان إلى مستوى الجدارة الاستثماريَّة كإشارة قويَّة إلى أنَّ السَّلطنة تمكَّنت في السَّنوات القليلة الماضية من بناء نموذج مالي يحظى بثقة الأسواق العالميَّة، والَّتي شملت شهادة معتمَدة على قدرة الاقتصاد الوطني على إدارة التَّزاماته، حيثُ باتَ هذا الالتزام أكثر وضوحًا أمام المستثمِرِين، كما يمنح هذا التَّصنيف السَّلطنة موقعًا متقدِّمًا في المنافسة الإقليميَّة على الاستثمارات النَّوعيَّة، ويفتح الباب لمرحلةٍ تنمويَّة أوسع تستفيد من بيئة ماليَّة مستقرَّة يُمكِن الاعتماد عليها في تطوير القِطاعات الإنتاجيَّة ودعم المشروعات الكبرى. ولأنَّ التَّفاصيل تُعطي دائمًا صورة أوضح، فإنَّ قراءة التَّصنيف الجديد لإحدى الوكالات العالميَّة تحتاج إلى أُسُس نَعُود إليها لِفَهْمِ طبيعة التَّحوُّل داخل الاقتصاد العُماني، فبناء على ما أوردته وكالة فيتش يتبَيَّن أنَّ التَّحليل ـ بجانب مراجعة المؤشِّرات الماليَّة ـ اعتمد على تقييم شامل للقدرة الحقيقيَّة للاقتصاد على تنويع مصادر الدَّخل، وتوسيع قاعدة النُّمو، ويظهر هذا الاتِّجاه جليًّا في صعود القِطاعات غير النَّفطيَّة بمعدَّل متسارع، حيثُ توسَّعت قِطاعات السِّياحة والخدمات والصناعات التَّحويليَّة والطَّاقة المُتجدِّدة داخل النَّاتج المحلِّي، ما يعكس تطوُّرًا واضحًا في بنية الاقتصاد الوطني نَحْوَ نموذج متعدِّد المحرِّكات. ولعلَّ أبرز ما تمَّ هو تحوُّل هذه القِطاعات إلى مشروعات نوعيَّة أطلقتها الدَّولة خلال الأعوام الماضية، وشكَّلت اليوم قاعدة إنتاجيَّة تتكامل فيها الاستثمارات المحليَّة والأجنبيَّة داخل بيئة تنظيميَّة قادرة على استيعاب التَّوسُّع، ويمنح هذا الزَّخم الاقتصادي المؤسَّسات الدوليَّة مؤشِّرات إضافيَّة على أنَّ السَّلطنة تمتلك قدرة أعلى على توفير مسار نُمو مستقر، ويقدِّم للمستثمِرِين بيئة واضحة المعالم يُمكِن الاعتماد عليها في بناء علاقات اقتصاديَّة طويلة المدى، ويُعزِّز موقع الدَّولة في المنافسة الإقليميَّة على الفرص المستقبليَّة. ولعلَّ التَّحول الأبرز الَّذي استندت إليه وكالة «فيتش» في تصنيفها الجديد، يتمثل في قدرة السَّلطنة على إعادة بناء مركزها المالي خلال فترة قصيرة، حيثُ تمكنت من تنفيذ برنامج متكامل خفَّض الدَّيْن العام من مستويات مرتفعة اقتربت من (٦٨%) من النَّاتج المحلِّي إلى حدود (٣٦%)، الأمر الَّذي يعكس انضباطًا ماليًّا حافَظ على استمراريَّته عَبْرَ سياسات واضحة في إدارة الالتزامات وسداد المستحقَّات، وإعادة توجيه الإنفاق نَحْوَ أولويَّات أكثر ارتباطًا بالاستدامة، كما يكشف المسار الجديد عن نجاح خطَّة إنقاذ مالي بدأتْ بإعادة تنظيم الميزانيَّة العامَّة، وامتدَّتْ إلى تعزيز كفاءة الإيرادات، وترتيب التزامات الشَّركات الحكوميَّة بما يوفِّر بيئة ماليَّة أكثر قوَّة. وتَبلْوَر هذا الجهد في انتقال سلطنة عُمان إلى موقع الدَّائن الصَّافي، وهو تحوُّل يعطي صورة لاقتصاد قادر على التَّحرُّك دُونَ عبء تمويلي ثقيل، ويوفِّر أساسًا متينًا لمرحلة تنمويَّة تتطلب قدرة أعلى على تمويل المشروعات الاستراتيجيَّة من موقع قوَّة ينسجم مع توجُّهات المستقبل. إنَّ الوصول إلى مستوى الجدارة الاستثماريَّة يفتح أمام السَّلطنة مساحة أوسع لبناء مسار تنموي يرتكز على جذب الاستثمارات النَّوعيَّة، الَّتي تبحث عن أسواق مستقرَّة وقادرة على توفير بيئة تشريعيَّة وتنظيميَّة واضحة، كما يمنح التَّصنيف الأخير الاقتصاد الوطني قدرة أعلى على تمويل مشروعاته الكبرى بكلفة أقل، ما يتيح للشَّركات العُمانيَّة التَّوسُّع بثقة أعلى داخل قِطاعات الطَّاقة المُتجدِّدة واللوجستيَّات والصِّناعة والسِّياحة، ويرفع جاذبيَّة السُّوق أمام صناديق الاستثمار العالميَّة الَّتي تعتمد على التَّصنيفات الائتمانيَّة في تحديد وجهاتها. وبجانب ما سبَق، يعكس التَّطور إدراكًا عالميًّا بأنَّ السَّلطنة باتت تسير وفق نموذج اقتصادي قادر على تحويل الاستقرار المالي إلى قِيمة إنتاجيَّة تضيف للقِطاعات الحيويَّة زخمًا جديدًا، وتدعم تنفيذ مشروعات استراتيجيَّة تمتدُّ آثارها إلى فرص العمل ونُمو القِطاع الخاص. ويهيئ هذا المسار موقعًا أكثر قوَّة للسَّلطنة داخل المنافسة الإقليميَّة، ويُعزِّز حضورها في القِطاعات المتقدِّمة، ويضع الأُسُس لمرحلة تستند إلى قدرة سياسيَّة واقتصاديَّة واضحة على تحويل الثِّقة الدوليَّة إلى تنمية حقيقيَّة تصنع أثرًا طويل المدى، منطلِقة من رؤية «عُمان ٢٠٤٠» الطَّموحة.