الثلاثاء 16 ديسمبر 2025 م - 25 جمادى الآخرة 1447 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن : زيارة تفتح آفاقا جديدة لشراكة عربية واعدة

الاثنين - 08 ديسمبر 2025 04:05 م

رأي الوطن

30


تمتلك العلاقات العُمانيَّة ـ اللبنانيَّة جذورًا راسخة تَعُود إلى مطلع السبعينيَّات من القرن الماضي، حين بدأت مسقط وبيروت في بناء مسار دبلوماسي هادئ يَقُوم على الاحترام والثقة وتكامل الأدوار بَيْنَ بلدَيْنِ جمعتهما روابط عربيَّة وثقافيَّة عميقة. ومن المؤكَّد أنَّ هذه العلاقات الثنائيَّة الراسخة ستحظى بدفعة قويَّة مع زيارة فخامة الرئيس اللبناني العماد جوزاف عون إلى سلطنة عُمان، ولقائه بحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ، حيثُ تُعَبِّر الزيارة عن رغبة واضحة في إعادة تنشيط الشراكة الثنائيَّة وتوسيع مجالاتها، في وقت تستقبل فيه مسقط هذه الخطوة برؤية تسعى إلى تعزيز التعاون مع الدول العربيَّة وفق نهج يرتكز على التنمية والاستقرار. ويعكس اللقاء المرتقب اليوم بَيْنَ عاهل البلاد المُفدَّى وفخامة الرئيس الضَّيف إدراكًا مشتركًا بأنَّ العلاقات بَيْنَ البلدَيْنِ قادرة على الانتقال إلى مرحلة أكثر تنظيمًا، مرحلة تفتح المجال أمام مبادرات اقتصاديَّة وتعليميَّة وثقافيَّة تتوافق مع تطلُّعات وطموحات الشَّعبَيْن العُماني واللبناني، ويتقدم هذا المشهد كعلامة على رغبة حقيقيَّة في تحويل الإرث الدبلوماسي الطويل إلى مشروع تنموي يحفِّز الفرص، ويمنح العلاقات الثنائيَّة حضورًا يتناسب مع تحوُّلات الإقليم وتوقُّعات المستقبل.

وتأكيدًا على النَّهج السَّامي لجلالة السُّلطان المُعظَّم، الَّذي يسعى إلى رفد العلاقات الثنائيَّة الراسخة بتعاون اقتصادي يقوِّي الأواصر، يتقدم الجانب الاقتصادي إلى الواجهة؛ باعتباره المسار الأكثر قدرة على دفع العلاقات العُمانيَّة ـ اللبنانيَّة نَحْوَ مستوى جديد من الشراكة، خصوصًا بعد النُّمو الملحوظ في حركة التبادل التجاري خلال السنوات الأخيرة، وما تعكسه الأرقام من ثقة متبادلة في بيئة الأعمال في البلدَيْنِ، حيثُ تُشير المؤشِّرات الحديثة إلى ارتفاع حجم التبادل التجاري في النِّصف الأوَّل من العام الحالي بنسبة تجاوزت تسعة وعشرين بالمئة، مع وصول القِيمة الإجماليَّة إلى ما يقارب ثمانية ونصف مليون ريال عُماني، إلى جانب تسجيل الصادرات العُمانيَّة إلى لبنان زيادة مؤثِّرة في قِطاعات متنوعة، كما يتزامن هذا الحراك التجاري مع توسُّع لافت في حضور الشركات اللبنانيَّة داخل السوق العُماني، حيثُ يزيد عددها على ألف شركة برأس مال يستند إلى خبرات اقتصاديَّة تمتلك تاريخًا طويلًا في قِطاعات الخدمات والتعليم والصناعات الغذائيَّة والتقنيَّة. ويمنح هذا الواقع البلدَيْنِ فرصةً حقيقيَّة لبناء تعاون أكثر تماسكًا، تعاون يربط القدرات اللوجستيَّة والتشريعيَّة للسَّلطنة برصيد الخبرات اللبنانيَّة الواسع، ويتيح إطلاق مشروعات مشتركة في المناطق الاقتصاديَّة والصناعيَّة والسياحيَّة، في إطار رؤية تنمويَّة تسعى إلى تحويل العلاقات الثنائيَّة إلى رافعة اقتصاديَّة تدعم استقرار البلدَيْنِ وتوسِّع خياراتهما في زمن تتسارع فيه تحوُّلات الاقتصاد الإقليمي والدولي.

إنَّ البُعد السياسي في العلاقات العُمانيَّة ـ اللبنانيَّة يكشف عُمقًا يتجاوز حدود التعاون التقليدي؛ لأنَّ السَّلطنة تعتمد نهجًا دبلوماسيًّا يؤمن بسيادة الدول، ويحمي استقرارها عَبْرَ أدوات الحوار وبناء الثِّقة، وهو ما يمنح حضورها الإقليمي قوَّة لا تحتاج إلى ضجيج. ويتجلَّى هذا النَّهج في الموقف الثَّابت تجاه لبنان، حيثُ تضع مسقط استقرار هذا البلد في موقع مُهمٍّ داخل معادلة الأمن في الشرق الأوسط؛ نظرًا لِمَا يمرُّ به من تحدِّيات تتصل بحدوده وواقعه الاقتصادي ومسار مؤسَّساته، ويأتي التأكيد المستمر على دعم وحدته الوطنيَّة كجزء من رؤية ترى أنَّ حماية لبنان تُسهم في حماية التوازن الإقليمي، خصوصًا في مرحلة تتصاعد فيها المخاطر وتتشابك فيها حسابات القوى الإقليميَّة والدوليَّة. ويمنح هذا الموقف لبنان مساحة ضروريَّة لإعادة تنظيم مشهده الداخلي، بَيْنَما تُواصِل السَّلطنة دَوْرها في فتح قنوات للتواصل تُخفِّف التوتُّر وتمنع اتساع دائرة الصراع، ويتَّخذ هذا السياق بُعدًا أوضح مع الزيارة الحاليَّة؛ لِتكُونَ خطوة سياسيَّة تدعم قدرة الدَّولة اللبنانيَّة على استعادة حضورها وثقة مُجتمعها، داخل محيط عربي يبحث عن مسارات أكثر توازنًا للتعامل مع أزمات المنطقة.

لعلَّ أهمَّ ما يُميِّز تلك الزيارة الرفيعة هو ما تمنحه من آفاق، وما تشمله من مباحثات بَيْنَ جلالته والرئيس الضَّيف تدفع بالعلاقات العُمانيَّة ـ اللبنانيَّة نَحْوَ المزيد من التعاون، فهي فرصة نادرة للانتقال إلى مستوى يترجم التطلُّعات الواسعة للشَّعبَيْنِ؛ لأنَّها تأتي في لحظة تبحث فيها المنطقة عن نماذج تعاون تستطيع تجاوز الإرهاق السياسي، وتحويل الروابط التاريخيَّة إلى مشروعات لها أثَر ملموس على الاقتصاد والمُجتمع. ويبرز هذا الاتِّجاه في الملفات الَّتي تستعد اللجان المشتركة للعمل عليها، من تطوير التعليم والتدريب والتقنيَّة إلى فتحِ مجالات أوسع للاستثمار والسياحة والخدمات، بما يُعِيد ترتيب الأولويَّات على أساس مصلحة البلدَيْنِ وقدرتهما على الاستفادة من تكامل خبراتهما، كما يمنح هذا المسار القِطاع الخاص دَوْرًا أكبر في بناء علاقات مستقرَّة، ويتيح للمؤسَّسات والمواهب والطاقات الشَّابَّة فضاءً أرحبَ للتحرك داخل بيئة عربيَّة تعرف قِيمة الاستقرار وتدرك أهميَّة الحوار في صناعة المستقبل، ويتشكل من مجموع هذه العوامل مشهد جديد يُعِيد الثقة في قدرة التعاون العربي على إنتاج حلول عمليَّة، ويضع العلاقات العُمانيَّة ـ اللبنانيَّة أمام فرصة لتأسيس شراكة تُضيف بُعدًا إنسانيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا يتناسب مع حجم التَّحوُّلات الَّتي يشهدها الإقليم، ويمنح البلدَيْنِ مكانة أوضح في خريطة المنطقة خلال السنوات القادمة.