الجمعة 12 ديسمبر 2025 م - 21 جمادى الآخرة 1447 هـ
أخبار عاجلة

تراجع النظام القانوني لمبادئ السلام فـي القانون الدولي

تراجع النظام القانوني لمبادئ السلام فـي القانون الدولي
الأحد - 07 ديسمبر 2025 09:30 ص

محمد بن سعيد الفطيسي

30

ما يؤسف له أنَّ بعض السلوكيَّات والتحركات الدوليَّة، يُمكِن التأكيد على أنَّها تحركات أحاديَّة خرجت عن مبدأ الإجماع الدولي في اتِّخاذ بعض القرارات المؤثِّرة والحسَّاسة، يتأكد لنا ذلك من خلال متابعة واستقراء عددٍ من القضايا السياسيَّة الدوليَّة خلال العقود السابقة من القرن الـ(21) خصوصًا تلك السلوكيَّات الَّتي تمَّ من خلالها التدخل في الشؤون الداخليَّة لبعض الدول، الأمر الَّذي يجعلنا ندرك أنَّ مُجتمعنا الدولي اليوم قد أصبح أكثر هشاشة من ذي قبل، بل أشدّ عرضة للانجراف إلى الفوضى واستخدام القوَّة، الأمر الَّذي انعكس سلبًا على الوعي الدولي تجاه قضايا مهمَّة كالأمن والسلام، وهي أُسُس لا مفرَّ منها لبناء حضارة متمدنة وواعية.

الأمر الَّذي ترتب عليه انسياق قوى أخرى باتِّجاه تبنِّي عدد من الأفعال والسياسات المتصلبة، والَّتي بِدَوْرها أخذته بعيدًا عن القاعدة الأصليَّة والصحيحة للتعاون الدولي، ويَعُود ذلك بالطبع إلى عدد من الأسباب الرئيسة الَّتي تكفلت بِدَوْرها بممارسة ما يُمكِن أن نطلق عليه بسياسة (الكأس الممتلئ) على ذلك المُجتمع، الَّذي ظل يتقبل تلك السياسات والأفكار حتَّى أصبح غير قادر على استيعابها بشكلٍ صحيح وسليم بعد ذلك.

من زاوية أخرى وعلى ما يبدو أنَّ هناك بعض العوامل الآيديوبوليتيكيَّة الَّتي بدأت تُعِيد نفسها إلى الواجهة السياسيَّة الدوليَّة كمؤثرات فاعلة على المنهجيَّة العلميَّة الصحيحة للإدارة الدبلوماسيَّة للأزمات الدوليَّة، بحيثُ لم يَعُدْ ممكنًا ـ من وجهة نظر العديد من الأطراف الدوليَّة المؤثرة التحرك وفق تلك الضوابط والقواعد المتعارف عليها دوليًّا، حيثُ يفترض استنفادها بشكل نهائي قَبل اتِّخاذ أيِّ خطوة نَحْوَ استخدام القوَّة الصلبة كبديل أخير لحلحلة العديد من القضايا الحسَّاسة والشائكة على رقعة الشطرنج الدوليَّة، مع أنَّ تلك الخيارات والضوابط (خيارات السلام والسياسة اللينة) قد أثبتت جدواها في التوصل إلى نتائج مُرضية في العديد من القضايا والأزمات الدوليَّة كمُشْكلة الإرهاب والعنف والفوضى المستشريَّة في كُلِّ أنحاء العالم.

وعليه، فقد أنتجت تلك المتغيرات الأيديولوجيَّة العالميَّة والَّتي شكَّلت قوَّة الجذب نَحْوَ ذلك الانحراف الخطير نزوعًا نَحْوَ الدبلوماسيَّة الأحاديَّة الجانب كامتداد نفسي ـ سياسي نابع من أحاديَّة مريضة، وليس كفكرة سياسيَّة يُراد من ورائها نتاج دبلوماسي عالمي مُرضٍ، وهو ما يؤثِّر في فاعليَّة الآخرين في المشاركة واتِّخاذ القرارات، وعلى وجه التحديد عندما تكُونُ تلك القرارات ذات طابع عالمي ودولي مؤثِّر.

فالعمل الأحادي الجانب يعجز بكُلِّ بساطة عن تقديم النتائج الصحيحة والمُرضية في القضايا الَّتي هي بطبيعتها متعدِّدة الأطراف ولا تقبل الانجراف إلى الرؤى الفرديَّة، فحين نَعدُّ أنَّ الأعمال الَّتي نقوم بها هي أعمال صحيحة وبشكلٍ مطلَق بغَضِّ النظر عن رؤية الآخرين إليها، فإنَّنا نَسير في تيَّار لا يترك للآخرين مجالًا للمساهمة في تقريب وجهات النظر، أو المساعدة على تسويغ تلك الأفكار المطروحة. وعليه، فإنَّ ذلك لا يترك للدبلوماسيَّة الليِّنة مجالًا لأخذ دَوْرها الطبيعي كأساس للعمل السياسي، ممَّا يترتب عليه الانسياق نَحْوَ عسكرة المواقف والانجراف إلى القوَّة كبديل للدبلوماسيَّة. الأمر الآخر والَّذي أثَّر كثيرًا في العمل الدبلوماسي الحديث هو ضعـف الحلول السلميَّة المطروحة والَّتي أدَّت بِدَوْرها إلى انحراف حادٍّ نَحْوَ الاستخدام المفرط للقوَّة الصلبة، والَّتي كان من المفروض أن تتعامل مع الرأي الآخر بطُرق سلسة وبعيدة عن التشدد والاتِّجاه نَحْوَ القوَّة وتصعيد المواقف السياسيَّة، والتوصُّل لحلول منطقيَّة تدفع الطرف الآخر للانصياع والانقياد للمجموعة السياسيَّة الدوليَّة، وإلَّا فإنَّ عكس هذا الطرح لن يؤدي إلَّا إلى الوصول لطريق مسدود يَحُول دُونَ حلحلة الكثير من القضايا الحديثة الَّتي كان من المفروض أن لا تصل إلى ما وصلت إليه من تصعيد.

أخيرًا، تهميش أو الضغط وابتزاز المؤسَّسات والهيئات الدوليَّة المعنيَّة بحلِّ النزاعات والقضايا الدوليَّة بالطُّرق السلميَّة والدبلوماسيَّة كهيئة الأُمم المتحدة وغيرها وتحويلها إلى مؤسَّسات غير فعَّالة، وفي كثير من الأحيان قد تمَّ استخدامها كحصان طروادة لتمرير بعض القرارات الفرديَّة والأحاديَّة كما شاهدنا في العديد من المواقف الدوليَّة؛ لذا ـ وكما قُلنا سابقًا ـ فإنَّه باتَ من الضروري أن يتمَّ الرجوع لتلك المؤسَّسات المعنيَّة بالسلام، وخصوصًا هيئة الأُمم المتحدة لحلِّ قضايا العالم وعلى مختلف الأصعدة السياسيَّة والاقتصاديَّة..إلخ، وعدم التدخل في سيادتها وشؤونها الداخليَّة، واحترام قراراتها المتَّخذة.

كما يَجِبُ بناء تعاون دولي في إطار هذه المؤسَّسة يَقُوم على المشاركة والتفاهم والتقارب الدولي، وعليه (ومن أجْل وضع هذا النشوء المستمر لمُجتمع كوني مشترك في إطاره المؤسَّساتي، يتحتم ظهور أشكال جديدة من التعاون المعزز وعلى محورين كبيرين: العلاقة الثلاثيَّة بَيْنَ الدول الأغنى والديمقراطيَّة في أوروبا وأميركا وشرق آسيا، من خلال الأُمم المتحدة باعتبارها إطارًا لعمل الأوسع والتمثيلي للسيادة العالميَّة، وهذا أمر سيتطلب إعادة تعريف الدَّوْر الأميركي العالمي وتبني أوروبا واليابان لنظرة عالميَّة أوسع، كما سيتطلب دعمًا مقصودًا للدَّوْر السياسي الَّذي تضطلع به الأُمم المتحدة حتَّى وإن كان ذلك على حساب القوَّة الأحاديَّة لبعض الدول المهيمنة حاليًّا).

محمد بن سعيد الفطيسي

باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية

رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية

[email protected]

MSHD999 @