تتقدم السياحة في سلطنة عُمان كمجال تنموي واسع يملك القدرة على إعادة توزيع النشاط الاقتصادي على المحافظات، ويمنح كُلَّ منطقة فرصة لصياغة مشروعها الخاص داخل منظومة تنويع تبحث عن أذرع جديدة للنُّمو، وتبرز قيمة القِطاع السياحي عندما يتحول إلى قوَّة تُعِيد تشكيل الأسواق المحليَّة من خلال زيادة الحركة التجاريَّة، ورفع الطلب على الضيافة، وتطوير الخدمات المرتبطة بالنقل والمغامرات والبرامج المُجتمعيَّة، كما يكتسب المشهد السياحي معنى أكبر حين ننظر إليه كمدخل لتوسيع قاعدة التنمية بعيدًا عن المركزيَّة التقليديَّة؛ لأنَّ المنتجات السياحيَّة في سلطنة عُمان تمتدُّ من الجبال إلى السواحل والصحاري والقُرى التاريخيَّة، ما يخلق هُوِيَّة اقتصاديَّة لكُلِّ محافظة بحسب مواردها وتجاربها الخاصَّة، خصوصًا وأنَّ تلك الصناعة الحيويَّة ترتبط بمجموعة من الصناعات والخدمات الَّتي تعطي زخمًا كبيرًا. ويُشكِّل التنوع في الفصول السياحيَّة المختلفة، الَّتي تبني عليها الدَّولة مواسم متجدِّدة، دفعة تمنح الاقتصاد قدرة أعلى على امتصاص التقلُّبات، وتفتح فرصًا موازية أمام المؤسَّسات الصَّغيرة والمتوسِّطة الَّتي تُشكِّل جزءًا أصيلًا من محرِّكات التنمية في المحافظات.
ويمتدُّ هذا الحضور التنموي إلى موسم الشتاء الَّذي يُشكِّل إحدى الركائز الأكثر تأثيرًا داخل الخريطة السياحيَّة الوطنيَّة، حيثُ يتحول المناخ المعتدل إلى عنصر جذب يفتح المجال أمام تجارب طبيعيَّة وثقافيَّة تعكس التنوع الَّذي تمتاز به المحافظات، وتتقدم المبادرات الَّتي تطلقها وزارة التراث والسياحة في هذا الموسم لتؤكِّدَ أنَّ الشتاء ليس فترة نشاط عابر، وإنَّما منصَّة اقتصاديَّة تتفاعل فيها المحافظات مع الطلب المتزايد على المغامرات الجبليَّة والرحلات البحريَّة والاستكشافات التراثيَّة، ما يُعزِّز الحركة التجاريَّة ويرفع الإشغال الفندقي ويمنح الأسواق المحليَّة زخمًا إضافيًّا، كما يتَّسع هذا الأثر مع حملات الترويج الرقميَّة وحضور السَّلطنة في المعارض الدوليَّة، حيثُ تتوجَّه الجهود نَحْوَ أسواق متعدِّدة تبحث عن تجارب أصيلة تجمع بَيْنَ الطبيعة الهادئة والضيافة العُمانيَّة وروح المغامرة، فيتحول موسم الشتاء إلى موسم تتكامل فيه المُقوِّمات البيئيَّة والثقافيَّة مع رؤية سياحيَّة تعمل على دفع الاقتصاد نَحْوَ مساحة أوسع من الحيويَّة.
لعلَّ أكثر ما يمنح الموسم الشتوي قِيمة إضافيَّة ذلك الحراك الاقتصادي المباشر الَّذي تخلقه الفعاليَّات النوعيَّة المنتشرة في المحافظات، حيثُ تتحول المهرجانات الرياضيَّة والبرامج التراثيَّة ومسارات المغامرات إلى منصَّات تحرك الأسواق، وتُعِيد رسم دَوْرة النشاط في قِطاعات النقل والضيافة والمطاعم والتجارة، ويظهر هذا الأثر في الأرقام الَّتي تكشف صعودًا مستمرًّا في أعداد الزوَّار القادمين عَبْرَ الرحلات العارضة، والارتفاع في نِسَب المشاركة في الفعاليَّات المحليَّة الَّتي تجمع بَيْنَ التراث والرياضة والمُجتمع، ما يُعزِّز صورة السياحة كقِطاع يضخ عوائد ملموسة ويمنح المؤسَّسات الصَّغيرة والمتوسِّطة فرصة للمشاركة في حركة الاقتصاد الموسمي. كما يتقدم هذا الدَّوْر مع استضافة السَّلطنة لفعاليَّات شتويَّة بحضور جماهيري لافت، لتتحولَ التجربة السياحيَّة من زيارة عابرة إلى نشاط اقتصادي واسع يوفِّر فرص عمل مؤقتة، ويرفع مستوى الدخل المحلِّي، ويمنح المحافظات قدرة أعلى على صياغة خصوصيَّتها السياحيَّة داخل المشهد الوطني.
إنَّ تنامي المؤشِّرات السياحيَّة خلال الموسم الشتوي يفتح مجالًا أوسع لقراءة التحوُّل الَّذي تعيشه سلطنة عُمان في تموضعها على خريطة السياحة الدوليَّة؛ فارتفاع أعداد الزوَّار من أسواق أوروبيَّة وآسيويَّة وخليجيَّة يعكس نجاح الرسائل الترويجيَّة في الوصول إلى جمهور يبحث عن وجهة تقدِّم تنوُّعًا حقيقيًّا في التجارب. ويظهر هذا التحوُّل في توسُّع المنتجات السياحيَّة نَحْوَ مجالات أكثر تخصصًا مثل سياحة الجولف والسُّفن السياحيَّة وسياحة الأعراس، ما يمنح القِطاع قدرة أعلى على جذب شرائح مختلفة من المسافرين، ويدعم بناء هُوِيَّة سياحيَّة متجدِّدة تتَّسع لكُلِّ المواسم. وعندما تتحول المحافظات إلى مراكز تجارب متعدِّدة تستقبل الزوَّار عَبْرَ برامج رقميَّة، وشراكات دوليَّة، ومحتوى ترويجي يبرز خصوصيَّة المكان وروح الضيافة العُمانيَّة، تتبلور رؤية سياحيَّة جديدة تعمل على تعزيز الجاذبيَّة الاقتصاديَّة، وترسيخ موقع السَّلطنة كوجهة شتويَّة عالميَّة تتكامل فيها الطبيعة الهادئة مع التجارب الثقافيَّة والمغامرات، وتمنح الاقتصاد مسارًا أوسع للنُّمو المستدام.