الأحد 07 ديسمبر 2025 م - 16 جمادى الآخرة 1447 هـ
أخبار عاجلة

فـي بلاد «مانديلا».. «إما أن تكون حرا أو لا تكون» «6ـ7»

فـي بلاد «مانديلا».. «إما أن تكون حرا أو لا تكون» «6ـ7»
السبت - 06 ديسمبر 2025 09:33 ص

سعود بن علي الحارثي

10

رابعًا: جاردن روت الخصبة بمفردات الجَمال ومفاتن الطَّبيعة.

يُطلق على منطقة «جاردن روت»، كذلك، «طريق الحدائق»، وهي واحدة من أكثر وجهات السياحة شهرةً وجذبًا وجَمالًا وتنوعًا، وطبيعة خصبة، ووفرة بالأرياف والمتنزَّهات والقُرى السَّاحرة والكهوف والشواطئ الخلابة المطلَّة على المحيط الهندي، والبحيرات الشاطئيَّة والجبال والغابات والمحميَّات... وعدد لا يحصى من المفردات الجَماليَّة ومفاتن الطَّبيعة تمتدُّ لِمَا يزيد عن ثلاثمئة كيلومتر، درجة أنَّ السَّائح لا تكفيه الأيَّام والأسابيع لاستطلاع كُلِّ شيء والتعرُّف على كامل ثروات «جاردن روت»، يتحدث أحد السيَّاح النُّشطاء في وسائل التواصُل، عن تجربته في هذه المنطقة المثيرة للإدهاش والإمتاع، «يُمكِنك بسهولة القيام والتّطواف فيها لأسبوعين، وما زلت لا ترى شيئًا». وفي الطَّريق إليها استمتعنا بزيارة والتعرف على منطقة «أقولاس»، الَّتي تُمثِّل وجهة سياحيَّة عالية القِيمة محركة للفضول والإبهار؛ لكونها الحدَّ الفاصل بَيْنَ المحيطين الأطلنطي أو «الأطلسي»، أو بحر الظُّلمات، والهندي، حيثُ التقاء «تيَّار إجولهاس، ذي الماء الدَّافئ مع تيَّار بنجويلا ذي الماء البارد»، تعرف اللوحة المنصوبة على صخرة بنقطة التقاء المحيطين، ورأس «أقولاس»، تعني باللغة البرتغاليَّة رأس الإبرة وتشير في الوقت ذاته إلى نهاية اليابسة في القارَّة الإفريقيَّة. إنَّ المواقع الخلابة المدهشة وما يثير فضولنا وحماستنا من مفردات الجَمال ومواقع الجذب والسياحة الَّتي نستمتع بها على مدى أكثر من عشر ساعات من المَسير في أراضيها عُمق قناعتنا بأنَّ «الوصول إلى مسار الرحلة المثالي»، لاستطلاع وزيارة كُلِّ مفرداتها السياحيَّة المثيرة والملهِمة، يكاد أن يصبحَ «شِبه مستحيل، ففي جاردن روت، الكثير لرؤيته والقيام به...»، فهي تشتهر بإطلالتها السَّاحرة على شواطئ المحيط الهندي، وتتفرد بوجود نوع من الأفيال تعيش في محميَّة متنزَّه جاردن روت الوطني، تُسمَّى أفيال «كنيسنا».. وفي الطريق من «كيب تاون» إلى «جاردن روت»، كنتُ أستحضر طفولة «نيلسون مانديلا ونحن نستقبل البراري والسهول والأرياف والقُرى، ونودِّع الأنهار والبحيرات، ونَسير بمحاذاة قطعان الخيول والأبقار والمواشي وبيوت الرُّعاة وأكواخ القبائل الإفريقيَّة فتأسرنا تفاصيل التَّفاصيل ونقع عشاقًا للمروج وجَمال الطَّبيعة البكر وتقاليد الحياة الَّتي لم تشوِّهها حداثة العصر، «وما كدتُ أبلغ الخامسة من العمر حتَّى أصبحتُ راعيًا للغنم والثيران في الحقول فتعرفتُ من كثب على العلاقة الروحيَّة الَّتي تربط أهل الكوسا بالماشية لا لكونها مصدر طعامهم وثروتهم وحسب، بل نعمة من نعم الله ومصدر للسَّعادة. وفي الحقول تعلمتُ الصيد بالمقلاع وجمع العسل من بيوت النَّحل وجني الفواكه البَريَّة وغيرها من الثمار وشرب الحليب السَّاخن من ضرع البقرة مباشرة والسباحة في الجداول وترع الماء العذب البارد وصيد الأسماك بحبال القنب والأسلاك... وإلى تلك الأيَّام يَعُود شغفي بالمروج والهواء الطلق والفضاء الرَّحب وبجَمال الطَّبيعة البسيط وبمنظر الأُفق يبدو واضحًا ناصعًا في السَّماء، فمنذ العام 1934، عَبَرت أنهارًا كثيرة مهمَّة في موطني الأصلي منها نهرا امباشا وكاي العظيم في طريقي إلى هيلدتاون، ونهرا أورينج وفال في طريقي إلى جوهانسبيرج». فالقُرى الريفيَّة في جنوب إفريقيا لها مذاق استثنائي، وتُشكِّل جذبًا سياحيًّا مريحًا، تشعر مَن يتجول في أزقَّتها ودكاكينها وأكشاكها المتناثرة بَيْنَ الزوايا والبيوت والشوارع الداخليَّة، والمتأمل في مفردات الطَّبيعة الَّتي تمتلكها، البحيرات والجبال الخضراء والهواء الطَّلق العليل والضباب الَّذي يعانق القمم العاليَّة وجنائن العنب والفراولة والفواكه والخضار، بالهدوء والراحة والطمأنينة والسلام الداخلي والإحساس العميق بجَمال الحياة وسعتها... فيما يلتقي سكانها صباح كُلِّ يوم في المقاهي الأنيقة المعبقة بالتَّاريخ والثَّقافة والتَّقاليد المحليَّة، يحتسون القهوة، ويتناولون الإفطار، ويطمئنون على بعضهم، ويتحاورون في المسائل والأحداث الَّتي تتعلق بحياتهم ومعيشتهم اليوميَّة، لوحة بديعة يرسمها الخيال مضيفًا عليها لمسات وتفاصيل جديرة بالالتقاط والتسجيل والتوثيق... وكنتُ أسبح مع الخيال متسائلًا، بعد إقامتنا لعقود في مسقط، وتباعد زياراتنا لقريتي المضيرب، هل سيأتي اليوم الَّذي سأزورها مع زوجتي لنقِيم في نزل بيت عتيق، بعد تطوير مشروعها السياحي، ونستحضر أيامًا وذكريات كانت لنا في سوقها وحاراتها وأزقَّتها وفلجها وبساتينها.. وشخوصًا حاضرة وإن غابت عنَّا أجسادها وأرواحها، وأمكنة تحوَّلت إلى خرابة وأخرى تجدد نشاطها وعمرانها ومظهرها؟ بمعنى أنَّني سأزور قريتي موطن آبائي وأجدادي كسائح أشبه بزيارتي اليوم إلى قرية «هرمانوس»، في جنوب إفريقيا. كُلُّ شيء في الحياة وارد ومتوقع نتيجة للتَّحوُّلات الهائلة الَّتي يشهدها العصر وإنسانه... تأسَّست أديس أبابا في عام 1886، على يد الامبراطور «منليك الثاني»، بعد اختيار موقعها من قِبَل زوجته الامبراطورة «تايتو بيتول»، وأصبحت في عام 1936، ضمن المستعمرات الإيطاليَّة بعد انتصارها على جيش الحبشة وقتلها مليون إثيوبي بغاز الخردل. وعلى مدى ساعات طويلة قضيناها في «أديس أبابا»، الَّتي تضمُّ مقار مفوضيَّة الاتِّحاد الإفريقي، في طريق عودتنا إلى الوطن، كنَّا ننتقل من معْلَم سياحي علمي تاريخي تجاري... إلى آخر، ساحة رمز النصر، مبنى البرلمان، مكتبة «أبرهوت» العامَّة، المركز الثَّقافي والتَّعليمي الأبرز في إثيوبيا والأكبر في شرق إفريقيا. متحف السيَّارات الملكيَّة، متحف إثيوبيا للعلوم والفنون، الخاص بالعروض التفاعليَّة في مجالات الذَّكاء الاصطناعي والأمن السيبراني وصناعة الروبوتات.... المتحف الوطني لتاريخ إثيوبيا والمؤسَّسة الثقافيَّة الأبرز، الَّذي يضمُّ الهيكل العظمي الجزئي لـ»لوسي»، الَّذي يبلغ عمره 2.3 مليون سنة، بالإضافة إلى كنوز أثريَّة محليَّة عالية القِيمة... متحف «أدوا»، أيقونة الجَمال وفتنة العمارة ورمز العزَّة والإباء والحُريَّة، مبنى مهيب يدخل الشُّعور بالزَّهو والإبهار والإعجاب في النفْس، كرّس لعرض قصَّة معركة «أدوا» أو عدوة التاريخيَّة الَّتي انتصر فيها الجيش الوطني الإثيوبي على القوَّات الإيطاليَّة الاستعماريَّة عام 1896م، وظل صداها يتردد في أنحاء إفريقيا والعالم كنموذج حي على إرادة الشعوب في النضال وكسر بلطجيَّة الاستعمار ونيل الحُريَّة، كاتدرائيَّة الثالوث المقدس الَّتي شُيدت «لإحياء ذكرى انتصار إثيوبيا على الاحتلال الإيطالي»، السوق المفتوح العجيب «ميركاتو»، أكبر سوق مفتوح في إفريقيا... وغيرها الكثير، معالم وأيقونات وصروح تحكي حضارة ‘ثيوبيا، «الحبشة» على مدى ملايين السنين. يشير إليها «مانديلا» في مذكّراته بأنَّ تاريخها يَعُود «إلى ما قبل ميلاد المسيح، ويقال إنَّها تَعُود إلى أبناء النَّبي سليمان وبلقيس ملكة سبأ. وتعدُّ الموطن الأصلي للقوميَّة الإفريقيَّة ورغم خضوعها للاحتلال الأجنبي عدَّة مرَّات، ولكنَّها، على العكس من دول إفريقيَّة أخرى، تصدَّت له في كُلِّ مرَّة».. «يتبع».

سعود بن علي الحارثي

[email protected]