الثلاثاء 02 ديسمبر 2025 م - 11 جمادى الآخرة 1447 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن : قمة المنامة.. قراءة فـي مسار خليجي يتشكل من جديد

الثلاثاء - 02 ديسمبر 2025 03:47 م

رأي الوطن

10

تحضر القمَّة الخليجيَّة السَّادسة والأربعون في المنامة كمشهد يفتح أبوابًا واسعة لإعادة قراءة الوضع الخليجي والإقليمي، في لحظة إقليميَّة وعالميَّة تموجُ بالتَّحوُّلات. ويأتي حضور حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ تأكيدًا على أهميَّة القمَّة ودَوْرها في حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة، وتحمل المشاركة السَّامية رؤية تَعدُّ العمل الخليجي المشترك ركيزةً لحماية الاستقرار وصياغة مسار تنموي متوازن لدول المنطقة، كما تتحوَّل القمَّة إلى مساحة تتقاطع فيها حسابات الأمن والاقتصاد والطَّاقة والهُوِيَّات الوطنيَّة، ما يجعل وجود القادة في قاعة واحدة نقطة انطلاق نَحْوَ نقاشات تتعامل مع التَّحدِّيات الإقليميَّة والعالميَّة ككيانٍ واحد كما كان دائمًا. وتتحرك سلطنة عُمان داخل هذا الإيقاع بثقة تستند إلى خبرة طويلة في إدارة توازنات الإقليم، وبحضور يضيف للقمَّة وزنًا سياسيًّا يُعزِّز قدرتها على إنتاج مسارات عمليَّة تتجاوز الخِطاب الاحتفالي إلى رؤية تُعِيد تشكيل مفهوم الشَّراكة الخليجيَّة وفْقَ شروط اللَّحظة الرَّاهنة. وتتحرك دول مجلس التَّعاون لدول الخليج العربي نَحْوَ القمَّة بروح تُعَبِّر عن إدراك متزايد بأنَّ المرحلة الحاليَّة تحتاج إلى إعادة بناء مفهوم العمل الخليجي المشترك، وذلك بطريقة تتجاوز النَّماذج التَّقليديَّة. ويظهر هذا التَّحوُّل في الطَّريقة الَّتي تستعدُّ بها مؤسَّسات المجلس للاجتماع، حيثُ تتقدَّم ملفَّات الأمن والاقتصاد والطَّاقة؛ باعتبارها محاور تأسيسيَّة لا يُمكِن التَّعامل معها كقضايا منفصلة. ويتَّضح من المشهد العام أنَّ دول الخليج تستشعر حجم التَّحوُّلات العالميَّة، ما يدفعها إلى توسيع نطاق التَّنسيق وتطوير أدوات مشتركة تستوعب متطلبات مرحلة تتغيَّر فيها البنية الاقتصاديَّة الدوليَّة، وتتصاعد فيها التَّحدِّيات والتَّهديدات العابرة للحدود. ويأتي العَرض الشَّامل لمَسيرة المجلس لِيجسِّدَ هذا الإدراك؛ لأنَّه يُقدِّم للقادة خريطة واضحة لِمَا أنجزته دولهم منذ أربعة عقود، ويكشف ملامح تطوُّر مؤسَّسي يُهيئ البنية اللازمة لمشروع تكاملي أوسع، كما يضع هذا العَرض أمام القمَّة سؤالًا رئيسًا حَوْلَ كيفيَّة الانتقال من التَّنسيق إلى بناء منظومة واحدة في مصالحها وسياساتها، بما يُعزِّز قدرة الخليج على حماية استقراره وصياغة موقعه في المشهد الدّولي المتسارع. هناك عددٌ من الملفَّات على طاولة أصحاب الجلالة والسُّمو قادة دول المجلس ومَن ينوب عنهم، لكن تبقى القضيَّة الفلسطينيَّة ذات موقع مركزي داخل النِّقاشات الخليجيَّة؛ لأنَّ ما تشهده غزَّة وباقي الأراضي الفلسطينيَّة من مآسٍ إنسانيَّة يفرض على دول المجلس قراءة أشمل لطبيعة التَّهديدات الَّتي تحيط بالمنطقة، لِتتحولَ المواقف الخليجيَّة المتضامنة إلى قاعدة سياسيَّة تُعِيد التَّأكيد على أنَّ الأمن الإقليمي لا ينفصل عن استقرار الأرض الفلسطينيَّة، كما تُظهر التَّحرُّكات الدبلوماسيَّة في المحافل الدوليَّة حجم الشُّعور الخليجي بأنَّ القضيَّة تُمثِّل إطارًا يكشف طبيعة موازين القوى العالميَّة. وتبرز هذه الحقيقة في الخِطاب الَّذي تتبنَّاه سلطنة عُمان؛ إذ تمضي في نهج يوازن بَيْنَ الثَّبات على المبادئ والبحث عن مسارات تفتح بابًا لسلام يستند إلى العدالة وحماية الإنسان، نهجٍ يمنح للقمَّة بُعدًا إنسانيًّا يتجاوز منطق البيانات؛ لأنَّ التَّجربة العُمانيَّة في التَّعامل مع النِّزاعات الإقليميَّة تُقدِّم نموذجًا يعتمد على الحكمة والقدرة على فَهْمِ جذور الأزمات، ما يتيح للمجلس تبنِّي رؤية أكثر اتساعًا تجاه مستقبل المنطقة ودَوْر الخليج في صياغته. إنَّ المستقبل الخليجي يقف اليوم أمام لحظة تُعِيد تشكيل أولويَّاته، لحظةٍ تحتاج إلى تصوُّر عملي يربط القوَّة الاقتصاديَّة بالاستقرار السِّياسي، ويمنح مجلس التَّعاون قدرة أعلى على التَّعامل مع واقع دولي يتغيَّر بسرعة غير مسبوقة. ويتقدَّم مسار التَّكامل الاقتصادي إلى المشهد؛ باعتباره الخيار القادر على بناء قاعدة إنتاجيَّة مشتركة تستوعب تحدِّيات الطَّاقة، وتفتح المجال أمام استثمارات نوعيَّة تُعزِّز حضور الخليج في الأسواق العالميَّة، كما يأتي الأمن الجماعي داخل هذا السِّياق كمسار يكمل البناء الاقتصادي؛ لأنَّ التَّهديدات العابرة للحدود تفرض إعادة تطوير الأدوات المشتركة وفْقَ منظومة أكثر جاهزيَّة. ومن هذا المنطلَق تُواصِل السَّلطنة دَوْرها في صناعة التَّوازن، من خلال رؤية تعتمد الحوار وتوسيع مساحة التَّفاهم بَيْنَ دول المجلس، ما يمنح القمَّة اتِّجاهًا واضحًا نَحْوَ مشروع قادر على تحويل التَّحدِّيات إلى فرص، ويُعِيد رسم موقع الخليج في المشهد الدّولي من موقع الفاعل لا المتأثر، ومن موقع يمتلك القدرة على صياغة مساره بثقة راسخة.