الخميس 27 نوفمبر 2025 م - 6 جمادى الآخرة 1447 هـ

لماذا يصاب عدد أكبر من الشباب بالسرطان؟!

لماذا يصاب عدد أكبر من الشباب بالسرطان؟!
الاثنين - 24 نوفمبر 2025 10:28 ص

د. يوسف بن علي الملَّا

330

خلال العَقدين الماضيين لعلَّنا جميعًا نلاحظ في كُلِّ مكان واقعًا هادئًا ولكنَّه مقلق في ذات الوقت، خصوصًا وأنَّ هنالك أنواعًا من السرطان كانت تصيب أشخاصًا في الستينيَّات أو السبعينيَّات من العمر، أصبحت ـ وللأسف ـ تظهر الآن لدى أشخاص في الثلاثينيَّات والأربعينيَّات. حتَّى أنَّها تظهر دون أيٍّ من عوامل الخطر التقليديَّة الَّتي كنَّا نعتمد عليها سابقًا لتفسيرِ هذه الأمراض. ولعلِّي هنا مع سؤال مُهمٍّ جدًّا نحتاج جميعًا من مُجتمع، ومؤسَّسات طبيَّة ومعنيين تدارسه ألا وهو: ما الَّذي تغيَّر بالضبط خلال جيل واحد؟

ففي عام ٢٠٢٣، وثَّقتْ إحدى مجلات طب الأورام ارتفاعًا في سرطانات الظهور المبكر! لكُلٍّ من سرطانات الثدي، والقولون، والبنكرياس والغدَّة الدرقيَّة، في جميع دول العالم. بطبيعة الحال، في ذات الوقت لا يُمكِنني استبعاد هذه الارتفاعات باعتبارها نتيجة لتحسين الفحص فحسب، بل أجزم أنَّ هناك تطورًا أعمق يحدُث! وهذا حقيقةً ما تابعَته مؤسَّسات بحثيَّة، سواء في الولايات المتحدة وأوروبا والَّتي وجدتْ أنَّ عوامل مثل النظام الغذائي في مرحلة الطفولة، والإفراط في استخدام المضادَّات الحيويَّة، والتلوُّث البيئي، وحتَّى أنَّهم بَيَّنوا في عدَّة موضوعات أنَّه رُبَّما تركيبة ميكروبيوم الأمعاء، قد تهيء الأفراد للإصابة بالسرطان بعد عقود.

ولِكَيْ نكُونَ أكثر دقَّة، فالنظام الغذائي ـ بلا شك ـ هو سَبب رئيس، خصوصًا وأنَّنا لمَّا نقارن بَيْنَ الأجيال السابقة، سنلاحظ بأنَّ شباب اليوم يتعرضون في وقت أبكر للأطعمة فائقة المعالجة، والأنظمة الغذائيَّة عالية الفركتوز، والمشروبات السكريَّة مثلًا. ولا ننسى هنا موضوع السُّمنة ومقاومة الأنسولين ومرض الكبد الدُّهني، والَّتي بِدَوْرها تهيء بيئة تسرع من تسرطن الخلايا ـ إن صحَّ القول.

ناهيك عن التأثيرات البيئيَّة، والَّتي للآن لم يتمكنْ من تحديدها بالكامل، حيثُ تمَّ اكتشاف جزيئات البلاستيك الدقيقة في دم الإنسان، وحليب الأُم، وحتَّى أنسجة المشيمة. من ناحية أخرى حتَّى المواد الكيميائيَّة الَّتي تعطِّل الغدد الصمَّاء، من مستحضرات التجميل والبلاستيك لها أيضًا تأثيرات هرمونيَّة خاصَّة خلال فترة البلوغ والبلوغ المبكر.

وهنا طبعًا لا ننسى تغيُّر أنماط النوم لشبابنا، والتوتُّر المزمن وارتفاع معدَّلات القلق. ورُبَّما يكُونُ موضوع تزايد عمل الشَّباب في نوبات ليليَّة، والدراسة لساعات متأخرة من الليل له دَوْر مؤثِّر، كيف لا؟ وهناك فرص أن تتراكم هذه الاختلالات الطفيفة لتتحول إلى نقاط ضعف بيولوجيَّة.

وبالتالي سنلاحظ في حالات كثيرة كيف يتأخر تشخيص الشَّباب مع الوقت بسبب تجاهل الأعراض على أنَّها حميدة! فعلى سبيل المثال: ألَمٌ في البطن يُنظر إليه على أنَّه متلازمة القولون العصبي، ونزيف شرجي يُعزى على أنَّه بسبب البواسير، ثمَّ قد يكُونُ هذا التأخير كارثيًّا، فغالبًا ما ينمو السرطان لدى الشَّباب بشكلٍ أسرع ويُكتشف في مراحل متقدمة.

ختامًا، ما نواجهه اليوم ليس سؤالًا جديدًا، ولكن أردتُ الإشارة إليه وبشكلٍ متكرر لِيكُونَ هناك اهتمام أكثر وعاجل. هذا الارتفاع لإصابة الشَّباب بالسرطان هو إشارة تحذير من جسد المُجتمع، وعلامة حقيقيَّة على أنَّ بيئات الحياة العصريَّة، تُعِيد تشكيل صحَّة الإنسان بطُرق بدأنا نفهمها الآن. آمل من الجهات المعنيَّة والمؤسَّسات البحثيَّة الاستمرار في الوعي وصياغة علاجات وفحوصات محدَّدة لهكذا حالات. ولعلَّ هذا الجيل أيضًا هو مَن يُسهم في الكشف عن إجابات تحمي مَن يأتون بعده.

د. يوسف بن علي الملَّا

طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي

[email protected]