الاثنين 17 نوفمبر 2025 م - 26 جمادى الأولى 1447 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن : إعادة رسم المشهد الاستثماري

الاثنين - 17 نوفمبر 2025 04:00 م

رأي الوطن

10

إنَّ اليوم الوطني يحمل حكاية وطن عرف طريقه مبكرًا حين وضع المغفور له ـ بإذن الله تعالى ـ السُّلطان الراحل قابوس بن سعيد ـ طيَّب الله ثراه ـ أساس نهضة لا تزال حاضرةً في تفاصيل الدَّولة حتَّى الآن. كانت تلك البداية صفحة تأسيسيَّة خرجت مِنْها عُمان إلى عصر جديد من الإدارة العميقة وبناء الهُوِيَّة وتثبيت مؤسَّسات تصنع مستقبلها بنفسها. ويتواصل هذا المسار اليوم بقيادة حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ عَبْرَ عملٍ يفتح مساحات واسعة أمام المحافظات لِتكتشفَ قوَّتها الكامنة وتحوِّلَ جغرافيَّتها إلى جزء من معادلة الاقتصاد، حيثُ تظهر هذه الروح في مشاهد التنمية الَّتي تخرج من قلب الولايات؛ لِتتولدَ الفرص من طبيعة المكان، ويتشكل الاستثمار داخل بيئة تفهم خصوصيَّتها وتمنحها حضورًا في الخريطة الوطنيَّة.

وتتقدم المحافظات اليوم بصورة تعكس نعمة وطن نجح في بناء إدارة اقتصاديَّة قادرة على قراءة لحظتها بدقَّة، فالتحوُّلات الَّتي تَقُودُها الهيئة العامَّة للمناطق الاقتصاديَّة الخاصَّة والمناطق الحُرَّة تسير داخل مشروع وطني يربط الجغرافيا بالإنتاج، ويمنح المُدُن الصناعيَّة القدرة على استقبال صناعات نوعيَّة تمتدُّ من الطَّاقة النَّظيفة إلى التقنيَّات الحديثة، هذا التحرُّك يعكس إدراكًا عميقًا بأنَّ الاستثمار يحتاج بيئة مستقرَّة وقادرة على تحويل الرُّؤية إلى فرص عمل ومشروعات واقعيَّة، ويتكون المشهد من دوائر مترابطة تبدو فيها البنية اللوجستيَّة، وتطوير الخدمات، واستقطاب المستثمرين، عناصر تتحرك داخل عقلٍ واحد يؤمن بأنَّ الاقتصاد الحقيقي يولد من محافظات فاعلة تتحوَّل إلى مراكز إنتاج. وتكشف الأرقام قوَّة هذا التحوُّل عِندَما ترتفع الاستثمارات داخل المناطق الاقتصاديَّة الخاصَّة والمناطق الحُرَّة من (14.12) مليار ريال عُماني إلى (22) مليار ريال خلال خمس سنوات فقط، وهو ما يَجِبُ ألَّا نتعاطَى معه كرقمٍ يُشير إلى الارتفاع، وإنَّما مؤشِّر على تغيُّر المزاج الاستثماري في البلاد، وعلى قدرة المحافظات على استقبال صناعات تتعامل مع عُمان بوصفها منصَّة مستقرَّة.. ويكتمل المشهد مع ارتفاع القوى العاملة إلى نَحْوِ (80) ألف عامل وعاملة، يُشكِّل العُمانيون مِنْهم ما يقارب (39) في المئة، في انعكاس مباشر على سُوق العمل داخل المحافظات. وتتقدَّم الدُّقم والظَّاهرة والرّوضة كمراكز تستقبل مشروعات نوعيَّة في التَّعدين والمعادن والهيدروجين الأخضر، وتستقبل في الوقت نَفْسه عقودًا جديدة تتجاوز قِيمتها مليار ريال، فتتحوَّل هذه المشاريع إلى جذور تمتدُّ عَبْرَ المحافظات وروافد تُغذِّي مشهدًا اقتصاديًّا يَقُوم على القِيمة المضافة لا على التوسُّع الشَّكلي. ويظهر أثَر البيئة التشريعيَّة الجديدة في الطَّريقة الَّتي تتقدَّم بها مناطق الاستثمار اليوم، حيثُ يُقدِّم قانون المناطق الاقتصاديَّة الخاصَّة والمناطق الحُرَّة رقم (38/2025) إطارًا واضحًا يُعزِّز ثقة المستثمِرِين، ويضع لهم مسارًا محدَّدًا داخل نظام المحطَّة الواحدة وحِزم الحوافز. ويتجلى تأثير هذا الإطار في قدرة الدُّقم على رفع حجم مشروعاتها من (3.6) إلى (6.3) مليار ريال خلال عام واحد، وفي استعداد الظَّاهرة والرّوضة لاستقبال استثمارات في التَّعدين والطَّاقة والنَّقل، وتحمل تلك الطُّموحات رسالةً أعمق من مجرَّد توسعات اقتصاديَّة؛ إذ يُعِيد رسم العلاقة بَيْنَ الدَّولة والجغرافيا، ويمنح المحافظات حقوقها في التنمية بوصفها مساهمًا أساسيًّا في الاقتصاد الوطني، كما يظهر وعي وطني يدرك أنَّ الاستدامة تُبنى عَبْرَ مشروع يومي يتراكم داخل حياة النَّاس، ويمنح البلاد قدرةً أكبر على دخول مرحلة اقتصاديَّة أكثر حضورًا وثقة.