لا شكَّ أنَّ بناء وطن مِن لا شيء شاق للغاية، يحتاج إلى السهر والعمل الميداني والصبر على التحدِّيات الَّتي هي جزء لا يتجزأ من مسيرة النجاح. ولا أتصور أنَّ الأوطان والرجال الَّذين هم اليوم في القمَّة قد سهلت لهم الطُّرق أو كان النوم والكسل رفيقهم، فالأوطان العظيمة والقادة العظماء هم صناعة الصبر والمكابدة والحزم في المسيرة والعزم في مواجهة الصعاب والتحدِّيات، فمن هذه البيئة تولد الأوطان والقادة.
فإذا كان ذلك الحال حَوْلَ بناء الأوطان العظيمة، فلا شك كذلك بأنَّ المحافظة على تلك الإنجازات والمنجزات أصعب بكثير من صناعة وطن من لا شيء، من حجارة الجبال ومياه البحار ورمال الصحراء.. فكما يقال بأنَّ الوصول إلى القمَّة صعب ولكن المحافظة على البقاء فوق تلك القمَّة أصعب بكثير.
إنَّ صعوبة المحافظة على مكانة الأوطان بعد مسيرة عامرة بالمنجزات والمفاخر له أسباب عديدة ومختلفة، أهمُّها التَّعب والإجهاد الجسدي والذهني الَّذي يكابده القادة بعد سنوات من الكدِّ والعمل، لذا دائمًا ما كان الحلُّ لمثلِ هذا التحدِّي هو إعداد قادة جُدُد لحملِ مسيرة تلك الأوطان، ضخ دماء جديدة في جسد ذلك الوطن تساعده على الاستمرار والبقاء في المكانة الَّتي وصل إليها، إعادة تيَّارات الهواء النَّظيف إلى الرئة المجهدة جرَّاء غبار السنين، وهكذا تتجدد الدماء إلى القلب والشرايين ويضخ الهواء النَّقي إلى الأوطان العظيمة كَيْ تستمرَّ في قمَّة عطائها.
وطني الغالي، سلطنة عُمان العظيمة، الدولة الَّتي استمرت لقرون وما زالت حضارة وتاريخًا وحاضرًا ومنجزات نفاخر بها الجميع، ما زال هذا الوطن المَجيد كما خبرناه نحن الجيل الَّذي شرف بأن يولدَ في عهد باني نهضة عُمان الحديثة المغفور له ـ بإذن الله تعالى ـ السُّلطان قابوس بن سعيد، القائد الَّذي اصطنع هذا الوطن العظيم من شم الجبال الرواسي وأمواج بحر عُمان الهادرة وصحراء الرُّبع الخالي القاحلة، حيثُ تحوَّل كُلُّ ما سبق إلى ثروة وطنيَّة ومنجزات حضاريَّة ورصيد أمكنة إنسانيَّة وسيرة ومسيرة وطنيَّة.
وها هو الوطن العزيز، مصنع القادة، لا يتوقف أو يتعثر برحيل رجاله العظماء؛ لأنَّ البدائل جاهزة لتقدم الركب، والأنفس اصطنعت على عين المُخلِصِين الصادقين الأُمناء، فكان خير خلَفٍ لخير سلَفٍ، إنَّه القائد الإنسان الَّذي أثبتَ أنَّه امتداد لعقدٍ من الجواهر الَّتي نحَتَها الزمن، وإمام قوم مُخلِصِين لحضارة ووطن يسيرون خلْفه في السرَّاء والضرَّاء، في العُسر واليُسر، ولاء المُحب المُخلص، مؤمنين بأنَّ الحضارات العظيمة تنتج شعوبًا عظيمة وقادة عظماء قادرين على إكمال مسيرة البناء والمحافظة على نهضة المنجزات.
حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق «أعزَّه الله» القائد الإنسان، التَّعبير الصادق عن سياقات ما سبق من عظمة الوطن المَجيد والحضارة العظيمة، القائد الَّذي استلم الراية وحمَل الأمانة فصانَها وحافظ عليها، بل وأضاف إليها ما تستحق من منجزات نفاخر بها جيلًا بعد جيل، ونعتزُّ بها في الداخل الوطني والخارج الدولي، وما زال في خبيئة الزمن ما هو أجمل ـ بعون الله تعالى ـ لهذا الوطن المَجيد وأبنائه الكرماء في ظلِّ مسيرة هذا القائد الهمام والأب الرحيم، وستكُونُ السنوات القادمة ـ بعون الله وفضله ـ في ظلِّ قيادة جلالته «أعزَّه الله» مليئة بما سيسعد به المواطن العُماني ويفاخر به ويشعره بعظمة وطنه وتاريخه وحضارته العظيمة.
سائلًا الله العليَّ القدير أن يعزَّ جلالة القائد، وأن يباركَ عمره ويَمنَّ عليه بالبطانة الصالحة الَّتي تُعِينه على أمر دِينه وخدمة وطنه، وأن يجنِّبَ سلطنة عُمان ويحفظَها من شرِّ الكائد الحاقد الفاسد الحاسد.. اللَّهُمَّ آمين.
محمد بن سعيد الفطيسي
باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية
MSHD999 @