السبت 15 نوفمبر 2025 م - 24 جمادى الأولى 1447 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن : صعود المنظومة الاقتصادية عبر بوابة المناطق الحرة

السبت - 15 نوفمبر 2025 04:15 م

رأي الوطن

30


تُقدِّم المنطقة الحُرَّة بصحار صورة اقتصاديَّة تعكس انتقالًا نوعيًّا في موقع سلطنة عُمان داخل المشهد الاستثماري العالمي، حيثُ يتعامل المستثمرون الآن مع بيئة عمليَّة ناضجة تتجاوز مرحلة التأسيس إلى مرحلة التأثير، ولم يأتِ هذا الظهور الدولي من فراغ، وإنَّما نشأ من عمل مؤسَّسي طويل حمل بصمة واضحة في تطوير التشريعات، وتحديث البنى اللوجستيَّة، ورفع كفاءة الخدمات الحكوميَّة، حتَّى تحوَّلتِ المنطقة إلى منصَّة تستوعب صناعات تبحث عن الثبات والأمان وسلاسة الإجراءات، وعلى امتداد السنوات الماضية، كانتِ الدَّولة تبني نموذجًا اقتصاديًّا يتَّكئ على الواقعيَّة ويستفيد من الجغرافيا العُمانيَّة. فالموانئ، والطُّرق، والخدمات، والإجراءات أصبحت جزءًا من منظومة واحدة تتكامل فيها الأدوار، ويمنح هذا المشهد المستثمرين الثقة بأنَّ السَّلطنة تُقدِّم بيئة تشغيل مبنيَّة على فَهْمٍ دقيق لاحتياجات السُّوق العالمي، ما يدفع الحركة الاقتصاديَّة نَحْوَ مسار أكثر قوَّة، ويجعل التصنيف الدولي الأخير شهادة على تحوُّل حقيقي لا قشرة شكليَّة.

وتزداد قِيمة الإنجاز حين نقرأ المعايير الَّتي دفعت صحار إلى هذه المكانة المتقدِّمة، فالمؤسَّسات الدوليَّة لا تمنح الاعتراف بسهولة، ولا تضع اسمًا في مقدِّمة العالم إلَّا إذا وجدت بنية تشغيليَّة قادرة على خدمة مستثمر يرغب في العمل فورًا دُونَ عوائق؛ هذه البنية تشكَّلت عَبْرَ منظومة حوكمة تركِّز على وضوح القرار وسرعة الاستجابة، وتُقدِّم للقِطاع الصناعي بيئة تشغيل مستقرَّة تتصل بسلاسل القِيمة من الميناء إلى المصانع وإلى الأسواق الإقليميَّة، حيثُ لا يشعر المستثمر بوجود فجوات بَيْنَ المراحل الإنتاجيَّة. وتكشف التجربة أنَّ صحار تجاوزت فكرة الحوافز التقليديَّة إلى بيئة أعمال واقعيَّة تحتوي على إدارة قادرة على تحويل القانون إلى ممارسة، والخطَّة إلى أداء، والفكرة إلى مشروع يعمل على الأرض، وهو ما يجعل المنطقة منافسًا جادًّا يتقدم على مناطق ذات عمر أطول؛ لأنَّ القِيمة الحقيقيَّة اليوم تُقاس بفعاليَّة التشغيل وليس بعدد السنوات.

ويمتدُّ تأثير هذا الحضور إلى مشهد اقتصادي أوسع تتشكل ملامحه على امتداد الساحل من صحار حتَّى الدقم، حيثُ تبني سلطنة عُمان محورًا صناعيًّا ولوجستيًّا يرتكز على تنوع المدخلات وتكامل الوظائف. وإزاء ذلك، تُمثِّل صحار مركز الثقل للصناعات الثقيلة والتحويليَّة، بَيْنَما تتحرك الدُّقم نَحْوَ أُفق جديد يجمع الطاقة المتجدِّدة والهيدروجين الأخضر والتجارة الدوليَّة بعيدة المدى، ويُمثِّل هذا التنوع فلسفةً اقتصاديَّة تُعِيد رسم خريطة التنمية الوطنيَّة وفْقَ رؤية تستفيد من الموقع الممتدِّ على المحيط ومن قدرة الدَّولة على خلق مساحات جديدة للاستثمار. وبفضل هذا الامتداد، يتحول السَّاحل إلى شريان اقتصادي قادر على خدمة آسيا وإفريقيا، ويمنح السَّلطنة وزنًا إضافيًّا في خريطة الإمداد العالميَّة، ما يخلق بيئة قادرة على جذب المستثمر الَّذي يبحث عن موقع مستقرٍّ وقادر على النُّمو.

ويتقدم النموذج الاقتصادي خطوةً أكبر حين نقرأ نوعيَّة الاستثمارات المستهدفة في السنوات المقبلة. فالدَّولة تهدف إلى صناعات عالية القِيمة قادرة على خلق وظائف ذات طابع تقني ورفع كفاءة سلسلة الإنتاج الوطنيَّة، وتتبنَّى المناطق الحُرة نماذج تشغيل حديثة تعتمد على التحوُّل الرَّقمي، وتطوير الخدمات الصناعيَّة وتسهيل حركة الشَّركات عَبْرَ أنظمة ذكيَّة تخدم الصناعات التحويليَّة والطَّاقة المتجدِّدة والخدمات اللوجستيَّة المتقدمة، ما يمنح الاقتصاد الوطني قدرةً أعلى على جذب الشركات الَّتي تفضِّل بيئة مستقرَّة لا تتغيَّر بقرارات مفاجئة، وتشريعات واضحة تعطي الضَّمانات وتوفِّر الأرضيَّة للتوسُّع. وتُقدِّم هذه الرؤية إطارًا متكاملًا لاقتصاد يعتمد على جودة الاستثمار وليس على كميَّته، ويضع السَّلطنة على مسار طويل المدى ينسجم مع طموحها في بناء اقتصاد حديث قادر على المنافسة والتأثير في الدوائر الإقليميَّة والدوليَّة.