لم يكُنِ الموقف العربي في تعاطيه مع مستجدَّات الصراع العربي ـ الصهيوني أكثر قتامة منه هذه الأيَّام؛ بفعل تداعياته المتواصلة، وهو الموقف الَّذي ارتهن بتغوُّل «إسرائيل» في تعاطيها مع مستجدَّات الصراع، لا سِيَّما في غزَّة الَّتي نالت القِسم الأعظم في محاولة لكسر إرادة الشَّعب الفلسطيني، وإخضاعه للمشروع التوسُّعي الصهيوني.
هذا الارتهان رغم بعض محدِّداته إلَّا أنَّه أصبح معول هدم وتشظٍّ لِمَا تبقَّى من تفاهمات كانت بَيْنَ العرب و»إسرائيل».
وما عزَّز هذا المسار الدعم الأميركي لـ»إسرائيل» الَّتي غدت تتحكم في أُفق الصراع ومدياته إلى حدِّ تنصُّلها عن المعاهدات مع العرب، وإنكارها لحقوق الشَّعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
إنَّ حرب «إسرائيل» على غزَّة وما تلاها كشفت النيَّات الحقيقيَّة لكيان لن يرعوي من استهداف وقهر الشَّعب الفلسطيني وحقِّه في الحياة، وما جرى في غزَّة من تدمير وتنصُّل من التزامات كانت قائمة ضربته «إسرائيل» عرض الحائط رغم تأييد أكثر من (150) دولة في العالم لحقِّ الشَّعب الفلسطيني في إقامة دولته القابلة للحياة.
إنَّ كسر إرادة الشَّعب الفلسطيني ليس وليد حرب غزَّة فقط، وإنَّما كان تجسيدًا لرفضِ الشَّعب الفلسطيني على مرِّ السنين الَّتي تلَتْ زرع هذا الكيان في قلب الوطن العربي، الَّذي مرَّ عَبْرَ منحدرات تجلَّت بوحدة الشَّعب الفلسطيني وتمسُّكه بحقوقه المشروعة مهما طال الزمن واشتدت الرياح.
وإزاء ما جرى من تداعيات على مسار الصراع العربي ـ الصهيوني وإطلاق يد «إسرائيل» في استهداف همجي ممنهج في القتل وقضم للأراضي العربيَّة والفلسطينيَّة، يستدعي موقفًا عربيًّا موحَّدًا لوقف مسلسل التدمير، وإنكار الحقوق، وهو موقف تُمليه دواعي المسؤوليَّة القوميَّة لمواجهة عدوٍّ غاصب ومحتلٍّ الَّذي باتَ موقفًا عربيًّا ودوليًّا لفرطِ همجيَّته وتنصُّله من قرارات الشرعيَّة الدوليَّة الَّتي تلزمه بوقف هذا المسلسل الإجرامي المتواصل.
إنَّ إرادة الشَّعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة لن تكسر وتتراجع أمام عدوٍّ يحاول منذ عقود النَّيْل من هذه الإرادة وفشل في مصادرتها رغم كُلِّ عوامل الدَّعم الأميركي؛ لمواصلة المنهج العدواني لكيان كان وما زال يحاول قهر إرادته من دون أملٍ في الوصول إليها.
وما جرَى في غزَّة الَّتي تعرَّضت لمنهج تدميري؛ بفعل صفحات متوالية فصولًا تجاوزت كُلَّ صفحات الحروب ومحدِّداتها، سواء بالقتل وتدمير البنى الأساسيَّة، وهو الأمر الَّذي يتطلب جلب قادة هذا الكيان إلى ساحة القضاء الدولي كمُجرِمي حرب؛ جرَّاء التهجير القسري للشَّعب الفلسطيني، وتنصُّله عن معاهدات التهدئة والسلام مع جيرانه يتطلب مساءلة مَن نفَّذ هذا الفصل الدموي الخطير، وجلبهم لساحات العدالة الَّتي انتصرت لشَعب فلسطين وشرعيَّة إقامة دولته المستقلة، ولقضيَّة عادلة وشَعب أبي لن يركع أو تُكسر إرادته مهما حاولتِ الإرادة المضادَّة النَّيْل منها مهما طال الزمن واشتدَّت المصاعب.
أحمد صبري
كاتب عراقي