•بَيْنَما ينشغل العالم بالمعادن النادرة الَّتي تضمُّ (17) عنصرًا كيميائيًّا هي الآن مصادر جذب، يظل الاهتمام (بالمعادن) البَشَريَّة النادرة موضع تذبذب إن لم يكُنْ موضع تفريطٍ، ورُبَّما إهمال، بعضه متعمَّد، وبعضه الآخر عن جهل بالقِيمة الإنجازيَّة المتميزة، لكن ذلك لا ينسحب على جميع الدول.
•أن تتصدر المعادن النادرة بالنسخة الكيميائيَّة المجال الأوسع، فإنَّ ذلك يعود إلى جمودها حيثُ لا تمتلك قدرة الاعتراض على ما يُرسم بشأنها من خطط، بَيْنَما (المعادن) البشريَّة النادرة قد ترفض ما يُرسم لها إذا لم يتطابقْ مع حضورها الحيوي، مع ملاحظة سيكولوجيَّة تُفيد أنَّها سريعة التأثر بما يتلاءم مع تطلُّعاتها أو خلاف ذلك، وإذا صادف أن كان الاهتمام بها على مستوى المسؤوليَّة تكُونُ التنمية قد أخذت فرصتها السانحة من التوظيف الميداني الملازم للتطور.
•ما أقصد مجازًا بالمعادن البشريَّة النادرة، الخبراء المبتكرين على وفْقِ اختصاصاتهم المتعدِّدة والمتنوِّعة، وما يعكس وجودهم على الصعيد التنموي، وتلك مشاغل صارت الآن جزءًا حيويًّا من مُكوِّنات المنافسة على الصعيد الحضاري العام، ولها دالات تقييميَّة، منها جائزة نوبل السنويَّة الَّتي تذهب إلى اختصاصات متعدِّدة.
•لقد باتَ القياس عليها أحد مؤشِّرات التقدم، ولي هنا، أن أسألَ عن ثقلها بالنسخة العربيَّة.
•لا شكَّ أنَّها لم ترتفع حتَّى الآن إلى المستوى الَّذي يليق بها رغم أنَّ الواقع العربي مؤهل لإنجاز مثل هذا الدَّوْر؛ لأنَّه بامتداد حضاري أثرى الإنسانيَّة بالمزيد من الشواهد التاريخيَّة المبهرة، ولأنَّه أيضًا منطقة غنيَّة حسب التصنيف الدولي لمعنى الغنى الطبيعي.
•إنَّ المعدَّل العام للخبراء المبتكرين في الإقليم العربي ما زال يراوح بمعدَّلات ضعيفة لا تتناسب ومواكبة متغيرات العصر، ووفْقَ تقديري، هناك ثلاثة مؤشرات للضعف العربي في هذا المجال.
•الأول: ما يتعلق بالمستوى القياسي بأُمم أخرى، فمن مقارنات بشأن عدد براءات الاختراع، ما زال العرب في أوطأ درجات السلَّم المعرفي من حيثُ عدد ونوعيَّة هذه الإنجازات والتوظيف الميداني لها.
•لا أريد الخوض في مقارنات حسابيَّة سنويَّة، بل تكفي الإشارة إلى المعدَّل العام من الإضافات النوعيَّة العربيَّة عالميًّا، أنَّها متواضعة جدًّا قياسًا بمناطق أخرى من دول الجنوب. أمَّا إذا كانت المقارنة مع الدول الأخرى فالفرصة العربيَّة تضيق أكثر.
•الثاني: إنَّ ما يجري في منطقتنا العربيَّة من استنساخ للتطورات التنمويَّة الواعدة لم يخرجْ حتَّى الآن من متوالية تكرار المتوافر عالميًّا، وهذا ليس عيبًا أن نستعينَ بخبرات الأُمم الأخرى، لكنَّ العيب حين لا نجد في رصيدنا المعرفي الذَّاتي ما ننافس به، ولكم أن تتابعوا المناقشات الَّتي تجري بَيْنَ الحين والآخر على صعيد التصدي للمعضلات الَّتي تعيق التنمية المستدامة.
•الثالث: إنَّ المساهمة العربيَّة لم تشعركْ حتَّى اللحظة بوجود مؤشر على أسبقيَّات معيَّنة تنفرد بها دون غيرها من مناطق العالم.
•أنا أتحدَّث هنا عن عناوين تصلح للمفاخرة بالإضافات النوعيَّة، وتصحيح مسارات خاطئة، وإذا كانت المغالبة المشروعة توفِّر فرصًا للتميُّز، فيظل الفضل في ذلك للجهة الَّتي ابتكرت ووظَّفت وأضافت وتميَّزت، ولنا في القياس أيضًا، عدد المبتكرين العرب مقارنة بالعدد الكُلِّي السنوي من المبتكرين على صعيد العالم.
•الحال، ترتبط محفِّزات الابتكار مع حجم الحاجة المتفاقمة في التصدِّي للمعضلات، وما أكثرها في الوطن العربي من جفاف وتصحُّر وتعقيدات بيئيَّة أخرى وتلوُّث وتلكُّؤ وضياعات بالوقت وصراعات دمويَّة وتفريط بفرص التعاون.
•نحن الآن عربيًّا (على مرمى عصا) من العام المقبل 2026 وليس لدَيْنا ما ننافس به ابتكارًا بخصوصيَّة البيئة الجغرافيَّة البشريَّة، أشدِّد على هذه الخصوصيَّة. أمَّا العلماء العرب الَّذين تألقوا عالميًّا فجزء كبير من تفوُّقهم يعود لبيئة المهجر الَّتي احتضنتهم.
عادل سعد
كاتب عراقي