حينما تشرق الشمس العُمانيَّة الذهبيَّة على جبالها وصحاريها وسواحلها المطلَّة على بحر العرب ومُدنها، الَّتي تتطور باستمرار وانسيابيَّة، يُمكِن القول إنَّ هذا التطور لا يعني التغيُّرات الماديَّة فحسب، بل تسعى الحكومة من خلال هذا التطور لتطبيق معنى «العيش الكريم» لكُلِّ مَن يعيش على الأرض الطيبة، سواء كان مواطنًا أو مُقِيمًا أو حتَّى زائرًا.. من هنا فإنَّ حصول سلطنة عُمان على مركز متقدِّم في مؤشِّر جودة الحياة يُعَدُّ ترجمة حقيقيَّة وشهادة حقٍّ لهذه الجهود المبذولة لتشكيل مُجتمع متقدِّم ومستقر اجتماعيًّا واقتصاديًّا وإنسانيًّا.
لقد نشرت منصَّة Economic أنَّ سلطنة عُمان حصلت على المركز الرابع عالميًّا والأول عربيًّا في مؤشِّر جودة الحياة وفْقَ تصنيف منصَّة Numbeo الدوليَّة، وهو ما يُعَدُّ إنجازًا لافتًا يدعم الرؤية الوطنيَّة الشاملة للتنمية والرفاه الَّتي تتبناها قيادتنا الحكيمة.. فالأبعاد الَّتي تناولها المؤشِّر والَّتي تشمل قوَّة الشراء والأمان والرعاية الصحّيَّة وتكلفة المعيشة، ونسبة السعر إلى الدخل في العقارات، ووقت التنقل المروري والتلوُّث والمناخ جميعها مُجتمعة ترسم صورة متكاملة للمُجتمع الراقي الهادئ المستقر الَّذي وضع السلطنة في الصدارة العالميَّة.
منذُ إعلان رؤية «عُمان 2040» والسلطنة حرصت على تنفيذ عدَّة مسارات تنمويَّة على التوازي، منها تنويع الاقتصاد وتعزيز البُنى الأساسيَّة وتطوير التعليم والصحَّة وإرساء بيئةٍ معيشيَّة ترحب بالمواطن والمُقِيم معًا.. وفي الوقت الَّذي تبحث فيه الدول على التوازن القائم على نُمو سريع ومستوى معيشي مستدام رسمت السَّلطنة مسارًا متأنيًا، لكنَّه ثابت كان مصدر تفوُّق وتميُّز.. فصارت الدولة العربيَّة الوحيدة المدرجة في هذا التصنيف وحصدت المركز الرابع عالميًّا بجوار لوكسمبورج وهولندا والدنمارك متقدمة على سويسرا وفنلندا والنرويج والنمسا وألمانيا وأميركا، وغيرها من الدول الأجنبيَّة الَّتي كانت تحتكر هذا المؤشِّر.. لِتثبتَ سلطنة عُمان أنَّ تحقيق الرفاه لا يحتاج لبنية عملاقة بقدر ما يحتاج لرؤية حكيمة وإخلاص في الإدارة والتنفيذ.
إنَّ هذا الإنجاز العالمي الَّذي حقَّقته السَّلطنة هو إنجاز إنساني في المقام الأول.. فمَن يعيش فوق الأرض الطيبة يشعر بأنَّ الحياة ليست مجرَّد رحلة عمل أو بقاء، بل تجربة يعيشها يوميًّا من الوصول للأفضل.. وهذا النجاح الَّذي تحقَّق بفضل الجهد الجماعي للدولة سوف يحكي قصَّة دولة عظيمة ورؤية وطنيَّة حكيمة وشَعب مُحب معطاء ومكان يوفر الكرامة لمن تطأه قدماه.. دولة حياتها متجدِّدة تحتفي بالإنسان حيثُما كان.. وتجمع بَيْنَ الماضي والمستقبل في توازن نقسي ومعيشي مبهر.
لا شك أن تصدُّر السَّلطنة لهذا المؤشِّر المهمِّ يدلُّ على أنَّها حققت نجاحات ملموسة على طريق الاستدامة الَّتي تُحقق للإنسان السلام والطمأنينة.. فعُمان دولة لا تعرف الصخب والشعارات البرَّاقة، بل إنجازاتها تتحدث عن أفعالها بخطواتها الثابتة المتأنية.. وقد أثبتت أنَّ المَجد لا يُصنع في زحمة المُدن، بل في وجدان الشَّعب.
إنَّ مَن يجوب شوارع الدولة من شرقها لغربها، ومن شمالها لجنوبها بكُلِّ محافظاتها وولاياتها يدرك أنَّ حصول السَّلطنة على المركز الرابع عالميًّا ليس بالشيء الغريب لِمَا تتمتع به من ودٍّ ومحبَّة وترحاب وهدوء وسكينة وأمان واستقرار وصفاء على كافَّة المستويات لا يسكن الشوارع فقط، بل القلوب أيضًا.
لا شك أنَّ مِثل هذه الإنجازات الدوليَّة تزيد من عبء مؤسَّسات الدولة كَيْ تستمرَّ على نفس النهج أو تضاعف الجهد، وتحاول التطوير حتَّى تمضي قُدمًا للأمام نَحْوَ التقدم وتحقيق الإنجازات، وحصد المزيد من الإشادات الدوليَّة الَّتي تُعَدُّ تكليفًا بقدر ما هي تشريف؛ لأنَّها بمثابة الحافز لتحقيق المزيد من النجاحات.
لقد أثبتت رؤية «عُمان 2040» أنَّ التنمية الَّتي تهدف لتحقيقها ليس في صنع مستقبل مشرق قائم على ارتفاع البنيان بالإسمنت والحجارة، بل على بناء الإنسان وترسيخ الهُوِيَّة والوعي والقِيَم النبيلة بداخله.. لتتحولَ من رؤية اقتصاديَّة بحتة لرؤية إنسانيَّة شاملة متكاملة الأركان تخلق مُجتمعًا متماسكًا متكافلًا كالبنيان المرصوص.. مُجتمع لا يُقاس تقدُّمه بالمشاريع العملاقة، بل بتقارب أفراده واستقرارهم وسعادتهم.
إنَّ هذه الإنجازات المشرِّفة الَّتي أُضيفت لسجلِّ إنجازات سلطنة عُمان الحافل تدلُّ على نجاح سياستنا الحكيمة، وأنَّنا نسير نَحْوَ التطور.. كُلّ التوفيق لكُلِّ يد عاملة، وندعو الله لحكومتنا الرشيدة بالمزيد من التوفيق في ظلِّ قيادتنا الحكيمة.. حفظ الله جلالة السُّلطان.. حفظ الله الوطن.
ناصر بن سالم اليحمدي
كاتب عماني