كانت وما زالت هي أقدم دولة، وحضارة، وإرث ثقافي متنوع، وعلى ضفاف نِيلها كتبت أول كلمة في التاريخ، ورجالها سطَّروا وأقاموا حضارات متعدِّدة، وشيَّدوا الأهرامات وبَنوا القُرى والمُدن التاريخيَّة، حتَّى وصلوا اليوم لافتتاح أكبر متحف في العالم يحكي عظمة ملوك مصر عَبْرَ التاريخ، وليؤكدوا للعالم أنَّ أرض الكنانة قادرة على أن تصنع الحضارة، وتكتب التاريخ، وتبني عاصمة جديدة ومُدنًا حديثة ومستدامة، وعلى أرضها تتوحد الكلمة ويتحقق السلام.
مصر، علاقاتها راسخة وتاريخيَّة ووثيقة مع سلطنة عُمان عَبْرَ التاريخ والأزمنة الغابرة، بدأت منذُ مصر الفرعونيَّة في عهد الملكة حتشبسوت الَّتي سعتْ إلى مد يد الصداقة والسلام وجلب اللبان من ظفار، وتواصلت هذه العلاقات التاريخيَّة والطيبة في الماضي والحاضر، وشهدت الكثير من المواقف السياسيَّة الَّتي لا تنسى.
واليوم تعود مصر لكتابة التاريخ كعادتها وتوثِّقه ولا ينافسها أحد في ذلك، في مشهد رائع جسَّد معاني الجَمال في افتتاح راقٍ بالقرب من الأهرامات، ويروي في لوحة متكاملة مَسيرة تاريخيَّة وثقافيَّة واجتماعيَّة واقتصاديَّة للإنسان المصري عَبْرَ الأزمنة. فالمتحف لا يقتصر على عرض الآثار فقط، بل يُمثِّل مركزًا متكاملًا بكُلِّ معنى الكلمة تجعل منه وجهة ثقافيَّة عالميَّة يضم فعاليَّات علميَّة وفنيَّة وسياحيَّة، وعرضًا مرئيًّا لإنجازات الإنسان المصري عَبْرَ التاريخ، في سرديَّة جديدة تحكي عن تاريخ دولة عريقة وحضارة عميقة، لِيكُونَ المتحف هديَّة للعالم، وتكتمل الأفراح باستضافت مصر لواحدة من أعرق الحفلات الملكيَّة في العالم «حفل جراند بول» الَّذي لطالما عُقد بباريس في إمارة موناكو لِيكُونَ إضافة نوعيَّة لصورتها الثقافيَّة أمام العالم المتحضر.
هذه هي مصر العروبة والتاريخ والثقافة والفنِّ، فالمتحف المصري الكبير أكبر متحف أثري في العالم مخصَّص لحضارة واحدة عريقة، وأقدَم حضارة في التاريخ، ما يجعله نقطة لجذب السياح والزوار من مختلف القارَّات، ممَّا سيسهم في تنشيط الاقتصاد المصري بشكل مباشر وغير مباشر. فمصر اليوم لا تحفظ تراثها، بل أيضًا تبني مستقبلها واقتصادها بوجود أكثر من (50) ألف قطعة أثريَّة تروي قصَّة مصر عَبْرَ آلاف السنين في متحف يُعَدُّ إنجازًا معماريًّا فريدًا لدولة تفتخر بإرثها وثقافاتها وفنِّها وماضيها التليد. فالحضارة المصريَّة إرث متكامل ومتنوع علَّم البشريَّة الكثير من الدروس والعِبَر، ومنها معنى السلام، في عصر الحروب.
فالحدث ليس مجرَّد افتتاح متحف ومئات المقتنيات، بل لحظة فارقة في تاريخ مصر الحديث، ورسَّخ صورتها كدولة قادرة على الجمع بَيْنَ الأصالة والمعاصرة، ولتصنع لنفسها جسورًا قويَّة نَحْوَ المستقبل بمُدنها الحديثة ومتحفها الكبير، لِيعكسَ هذا الإنجاز الكبير مَجد الحضارة المصريَّة وثقافتها عَبْرَ التاريخ.
واليوم التاريخ يروي والمُدن السياحيَّة تتعدد، والثقافة والفنُّ يزدهران، فمصر دولة متكاملة وفاعلة ومؤثِّرة، حوَّلت السلام إلى خيار استراتيجي مبني على التنمية المستدامة.
والعلاقات العُمانيَّة المصريَّة قويَّة وراسخة، ومصر بلد سياحي وزراعي في المقام الأول فعلينا الاستفادة من هذين القِطاعين من خلال الاستمتاع بالمُدن السياحيَّة والتراث والمتاحف والأسعار المتَّزنة والبلد الآمِن والمستقر، كما يتوافر الاستثمار فيها من خلال بناء مشاريع واستصلاح الأراضي للأمن الغذائي العُماني، فالسياحة في مصر متميزة، وأرض الكنانة ليست متحفًا وحضارة وسياحة فقط.. إنَّها أُمُّ الدنيا.. والله من وراء القصد.
د. أحمد بن سالم باتميرا