السبت 08 نوفمبر 2025 م - 17 جمادى الأولى 1447 هـ
أخبار عاجلة

في العمق : فـي دور الانعقاد الثالث لمجلس عُمان.. دعوة إلى تعزيز التحول الرقمي والمؤسسي

في العمق : فـي دور الانعقاد الثالث لمجلس عُمان.. دعوة إلى تعزيز التحول الرقمي والمؤسسي
السبت - 08 نوفمبر 2025 10:26 ص

د.رجب بن علي العويسي

20

بناءً على الأوامر السّامية لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ يفتتح مجلس عُمان بغرفتيه: الدولة والشورى، اليوم الأحد التاسع من نوفمبر، أعمال دور الانعقاد العادي السنوي الثالث من الفترة الثامنة (2023-2027)، عملًا بأحكام المادة (41) من قانون مجلس عُمان.

يأتي دَوْر الانعقاد السنوي استكمالًا لجهود المجلس في دَوْرته الحاليَّة الثامنة، وتحقيق اختصاصاته المنصوص عليها في قانون مجلس عُمان، وفي ظل متغيرات متسارعة وطموحات متواصلة وتوجُّهات وطنيَّة متعاظمة، وفي أعقاب صدور ملخَّص المُجتمع في تقرير جهاز الرقابة الماليَّة والإداريَّة للدولة في نسخته الخامسة، وصدور تقرير وحدة دعم ومتابعة تنفيذ رؤية «عُمان 2040» لعام 2024 بعنوان «أثر يكبر»، وفي ظل معطيات إقليميَّة ودوليَّة وملفات اقتصاديَّة واجتماعيَّة وطنيَّة يتصدرها ملف الباحثين عن عمل وملف المسرَّحين العُمانيين من القِطاع الخاص.

وتتجه الأنظار إلى دَوْر فاعل ومحوري لمجلس عُمان، الشريك الأساسي لمنظومة الدولة في تعزيز التطوُّر والنَّماء وتحقيق السياسات العامَّة وبرامج التنمية الوطنيَّة المستدامة، في تأطير ملامح التحوُّل الوطني وتعظيم أثره، وخلق حوار اجتماعي فاعل مع منظومات الدولة والقِطاع الخاص من جهة، ومع المواطنين ومؤسَّسات المُجتمع الأهلي من جهة أخرى.

يرسم المجلس عَبْرَ اختصاصاته وأجندة عمل مكاتب المجلسين واللجان الدائمة ولجان العمل المستجدة والأمانات العامَّة نهجًا تفاعليًّا تشاركيًّا مع سُلطات الدولة التنفيذيَّة والقضائيَّة والرقابيَّة، في سبيل إيجاد البنى التشريعيَّة والقانونيَّة المنتجة، وامتلاك الحلول والبدائل لمواجهة معطيات الواقع والتحدِّيات المستوعبة للحالة العُمانيَّة بكُلِّ تفاصيلها وظروفها وخصوصيَّاتها. وينطلق المجلس من صلاحيَّاته التشريعيَّة الواردة في النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السُّلطاني (6/2020) والمادة (72) منه الَّتي تنصُّ على:

«يختص مجلس عُمان بإقرار أو تعديل مشروعات القوانين، ومناقشة خطط التنمية والميزانيَّة العامَّة للدولة، وله اقتراح مشروعات القوانين، وذلك على النَّحو الَّذي يبَيِّنه القانون».

كما يستند إلى الاختصاصات الَّتي فصلها قانون مجلس عُمان الصادر بالمرسوم السُّلطاني رقم (7/2020)، سواء في الاختصاصات المشتركة بَيْنَ الدولة والشورى الواردة في المواد (47، 48، 49، 50، 52)، أو تلك الَّتي يتفرد بها كُلُّ مجلس على حدة، في المادة (53) لمجلس الدولة، والمواد (52، 54، 55، 56) لمجلس الشورى.

لقد منحت هذه الاختصاصات والصلاحيَّات مجلس عُمان عمقًا استراتيجيًّا في قراءة أبعاد الواقع الوطني وتجلياته، وما سطَّرته سنوات العهد الزاهر من نماذج أصيلة في مسيرة البناء والتنمية الاقتصاديَّة واستشراف المستقبل وإعادة إنتاجه وفق رؤى تشريعيَّة مرنة وفكر استراتيجي يتكيف مع الظروف والمتغيرات.

وإنَّ من بَيْنَ الأولويَّات الرئيسة لتحقيق هذا المسار والدفع به قُدمًا، وفي ضوء ما أظهرته نتائج تقارير «رؤية عُمان 2040» ومؤشراتها المرحليَّة بشأن التحوُّل الرقمي والتحوُّل المؤسَّسي، تبرز الحاجة إلى أن يعمل مجلس عُمان على تعزيز بنيته الرقميَّة والإداريَّة المؤسَّسيَّة بما يُعزِّز من كفاءته التشريعيَّة، ويواكب التطورات العالميَّة في الممارسة البرلمانيَّة الحديثة، ويسهم في رفع مستوى الشفافيَّة والمصداقيَّة في المنتج التشريعي.

ويستدعي ذلك من مجلس عُمان ـ بغرفتيه الدولة والشورى ـ أن يُعيد تقييم منظومته الرقميَّة والإداريَّة لتتكامل مع هذا التوجُّه الوطني. إذ لا يكفي دَوْر مجلس عُمان في دعم الإطار التشريعي للتحوُّل الرقمي الوطني من خلال الدراسات والمراجعات للقوانين ذات الصِّلة، أو اقتراح سياسات لتسريع التحوُّل الرقمي في القِطاعين الحكومي والخاص، أو تعزيز تكامل المنظومة المؤسَّسيَّة عَبْرَ التوصية بتوحيد المعايير الرقميَّة بَيْنَ الجهات الحكوميَّة المختلفة، فالحوكمة ليست مجرَّد قوانين؛ بل هي عمل جادٌّ والتزام داخلي حقيقي يقود إلى إدارة مؤسَّسيَّة بجودة أعلى وسياسات إداريَّة وتنظيميَّة أكثر مرونة.

وفي هذا الإطار، فإنَّ تعزيز البنية الرقميَّة لمجلس عُمان يشمل تطوير البنية الأساسيَّة الرقميَّة، وتفعيل الأنظمة الإلكترونيَّة الداعمة للعمل التشريعي، واستخدام التقنيَّات الحديثة في إدارة الجلسات، وتيسير وصول المواطنين والجهات المعنيَّة إلى المعلومات والبيانات البرلمانيَّة، وتطوير أنظمة رقميَّة موحَّدة لإدارة الجلسات وعمل اللجان والجلسات المشتركة والتصويت الإلكتروني، وتمكين أعضاء المجلسين والكوادر الفنيَّة بالأمانات العامَّة من استخدام أدوات رقميَّة متقدِّمة تُعزِّز جودة التشريع ودقَّة التحليل والمراقبة، بالإضافة إلى رفع درجة التمكين الرقمي للعاملين بالأمانات العامَّة عَبْرَ نظام إلكتروني واضح ومقنن يحافظ على حقوق الموظفين في تتبع مراسلاتهم مع أمانة المجلس ورئاسته، ويضمن وجود مرجع يحدِّد أسباب التأخير في البتِّ في هذه المخاطبات، بما يتسق مع مؤشرات الرؤية الهادفة إلى تحقيق حكومة رقميَّة ذكيَّة ورفع كفاءة الخدمات العامَّة. وبالتالي، تجسيد أدوات واستراتيجيَّات التحوُّل الرقمي في أجهزة عمل المجلس ومراسلاته وأعماله وأدواته وآليَّاته وبرامجه وخططه وتقاريره ومضابطه، بالشكل الَّذي يضمن رفع سقف استخدام التقنيَّة وتعظيم حضورها في عمل المجلسين.

إنَّ إتاحة هذا التحوُّل الرقمي وفرض حضوره في هياكل وممارسات عمل المجلسين من شأنه الاستجابة لخطَّة التحوَّل الرقمي الحكوميَّة، وتقليل المنغِّصات المرتبطة بهذا الموضوع والَّتي باتت تنعكس سلبًا على جودة الأداء وإنتاجيَّة الموظف. كما أنَّ إقرار العمل بالمضبطة الإلكترونيَّة والاستفادة من تجارب البرلمانات الإقليميَّة والدوليَّة الَّتي قطعت شوطًا كبيرًا في هذا المجال، وفي ظل معطيات التقنيَّات والمنصَّات الاجتماعيَّة والمحتوى الرقمي، يسهم في مساندة كُلِّ عضو من أعضاء المجلسين في الوصول إلى حواراته ونقاشاته واطروحاته بكُلِّ سهولة ويُسر، وتمكينه من رفعها إلى المنصَّات الاجتماعيَّة بما يُعزِّز من حضور المجلس التفاعلي عَبْرَ هذه المنصَّات، وإدراك الرأي العام ووعيه بما يقدِّمه مجلس عُمان وأعضاؤه من مساندة لجهود الحكومة والمواطنين في تناول القضايا الَّتي تهم الرأي العام، خصوصًا ملفات التشغيل والتوظيف والتسريح والشباب وغيرها.

وفي المقابل، فإنَّ تعزيز التحوُّل المؤسَّسي في مجلس عُمان يتطلب مراجعة شاملة للممارسات الإداريَّة والتنظيميَّة القائمة، وإعادة هندسة العمليَّات الداخليَّة بما يضمن وضوح المسؤوليَّات وضبط الممارسات غير المنضبطة الَّتي قد تؤثر سلبًا في جودة الأداء، وتطوير الهياكل التنظيميَّة بما يضمن وضوح الصلاحيَّات وتكامل المسؤوليَّات ورفع الكفاءة في اتخاذ القرار وتنفيذه، انسجامًا مع هدف الرؤية في تحقيق أداء مؤسَّسي مستدام وشفَّاف يقوم على مبادئ الحوكمة الرشيدة.

إنَّ المُضيَّ قُدمًا في هذا المسار سيسهم في ترسيخ ثقافة مؤسَّسيَّة قائمة على الشفافيَّة والابتكار والتكامل، ويُعزِّز من ثقة المُجتمع في المنتج التشريعي، ويجعل من مجلس عُمان نموذجًا مؤسَّسيًّا رائدًا في دعم مسارات التحوُّل الرقمي والمؤسَّسي، كما يجعل من بيئة عمل المجلسين بيئة تشريعيَّة نموذجيَّة لها فرادتها وخصوصيَّتها، وتوفير الضمانات التشريعيَّة والقانونيَّة الَّتي تحفظ ديمومة الأثر الإيجابي لهذه التوجُّهات للوصول إلى مسار عمل واضح يضع الجميع أمام مسؤوليَّة الالتزام به وتحقيقه في أرض الواقع.

وانطلاقًا ممَّا سبق الإشارة إليه تتجه طموحاتنا إلى جهد أكبر يقوم به مجلس الدولة ـ تحديدًا ـ في حوكمة أدائه والوقوف على فلسفة العمل الحاليَّة في أمانة المجلس، بما تتطلبه من مراجعة جادة لمسار الهيكلة الداخليَّة، ورفع سقف التواصل والتكامل والتناغم بَيْنَ مُكوِّنات المجلس الأربعة، وعَبْرَ تبنِّي سياسات وإجراءات عمل داخليَّة أكثر شفافيَّة واحتواء لضمان استدامة هذا التكامل وتعزيز منصَّات الحوار والتفاعل، وتفعيل أجندة اللقاءات الداخليَّة والفعاليَّات المهنيَّة الَّتي تنعكس إيجابًا على إنتاجيَّة العاملين في أمانة المجلس واستقرارهم الوظيفي ورفع كفاءتهم الأدائيَّة والمهنيَّة، وتعزيز منظومة الحوافز والمكافآت وخلق فرص نُمو أوسع في المسار الوظيفي من خلال الاستثمار في المورد البشري والكفاءات العاملة بأمانة المجلس عَبْرَ إتاحة فرص التدريب والتأهيل العادل والمستمر للجميع، ما يؤكد على أهميَّة الإسراع في إنجاز الوصف الوظيفي للأمانات المساعدة والمكاتب والدوائر والأقسام، وتسكين المسميات الوظيفيَّة الَّتي يحتاجها المجلس في تنفيذ اختصاصاته، بالإضافة إلى مراجعة وإقرار اللائحة الداخليَّة للمجلس بما من شأنه تحقيق استقرار وظيفي للعاملين بأمانة المجلس، واستقرار نوعي في آليَّات العمل وأدواته وضمانات تحمي الموظف.

أخيرًا، وفي ظل معطيات المادة (4) من قانون مجلس عُمان، والجزئيَّة المتعلقة بـ»نظام الموظفين فيه، ومعاملتهم التقاعديَّة»، والَّتي باتت محل نقاش وحوار واستياء من قِبل العاملين في أمانات المجلسين (الدولة والشورى)، نتيجة إرجاعهم إلى منظومة الخدمة المدنيَّة، وما نتج عنه من تغييب حقوقهم التقاعديَّة، ولا سيَّما أصحاب الخبرة الَّذين تجاوزت خدمتهم مدَّة (20) عامًا أو ثلثي الخدمة، نجدِّد التماسنا إلى رئاستي المجلسين ومكاتبهما لتقديم المعالجات المنصفة إلى جهات الاختصاص، تقديرًا لهذه الكفاءات الوطنيَّة، وحفاظًا على استحقاقها الوظيفي.

د.رجب بن علي العويسي

[email protected]