السبت 08 نوفمبر 2025 م - 17 جمادى الأولى 1447 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن : حضور عالمي ورؤية معرفية للمستقبل

السبت - 08 نوفمبر 2025 03:20 م

رأي الوطن

10


تُقدِّم سلطنة عُمان مشهدًا سياحيًّا متكاملًا، يجمع بَيْنَ الفكر والتنفيذ والحضور الدولي، من خلال ثلاث محطَّات بارزة رسمَتْ معالم توجُّهها الجديد. فالمشاركة في معرض سوق السفر العالمي بالعاصمة البريطانيَّة لندن جسَّدت حضور السَّلطنة في أكبر أسواق السياحة العالميَّة، واجتماعات منظَّمة الأُمم المُتَّحدة للسياحة في الرياض أكَّدت موقعها في صياغة الفكر السياحي الحديث، وتدشين موسم السفن السياحيَّة في ميناء السُّلطان قابوس بمسقط كشف عن جاهزيَّتها الميدانيَّة لاستقبال العالم على أرضها، هذا التوازي بَيْنَ العواصم الثلاث يُشكِّل لوحة متكاملة لسياسة تقوم على تحويل السياحة إلى قوَّة اقتصاديَّة ناعمة، وإلى وسيلة لإبراز الهُوِيَّة العُمانيَّة الحديثة في محيط دولي يتغيَّر بسرعة، والفعل العُماني في هذه المسارات يعكس انتقال الدولة من مرحلة التعريف بالمُقوِّمات، إلى مرحلة توظيفها في صناعة التأثير، لِيصبحَ الحضور السياحي تجسيدًا لإرادة التنمية ومؤشِّرًا على نضج الدولة في إدارة مواردها.

إنَّ تعدُّد المسارات السياحيَّة الوطنيَّة يعكس مشروعًا وطنيًّا متكاملًا يقوم على توحيد الفكر الاقتصادي والثقافي في اتجاه واحد. فالحضور الخارجي في المعارض والمؤتمرات يتكامل مع البناء الداخلي للبنية السياحيَّة الحديثة، لِيؤكِّدَ أنَّ السياحة أصبحتْ قِطاعًا معرفيًّا يُدار بالتخطيط والعِلم والابتكار. والتجربة العُمانيَّة تُقدَّم اليوم للعالم في قالب جديد يُعبِّر عن التوازن بَيْنَ الأصالة والتطوُّر، ويظهر أنَّ الدولة قادرة على تحويل مواردها الطبيعيَّة إلى أدوات نفوذ واقتصاد، حيثُ تعتمد الرؤية على توسيع قاعدة العمل بَيْنَ المؤسَّسات الوطنيَّة والمُجتمع، بما يجعل السياحة مساحة إنتاج متجدِّدة تُعزِّز مكانة سلطنة عُمان في الاقتصاد العالمي، وتؤسِّس لمرحلة يكُونُ فيها الجَمال موردًا والعِلم وسيلة والهُوِيَّة مضمونًا للتنمية المستدامة.

ويأتي التحوُّل الرقمي في السياحة الوطنيَّة لِيعبِّرَ عن وعي الدولة بأنَّ التطوير الحقيقي يبدأ من العقل قَبل المكان، فاستخدام الذَّكاء الاصطناعي في فَهْمِ سُلوك السائح وتخطيط الوجهات يفتح مرحلة جديدة في إدارة هذا القِطاع، حيثُ تتحول البيانات إلى لُغة للفكر السياحي الحديث. فالرؤية الوطنيَّة تجعل التقنيَّة أداة لتقوية الهُوِيَّة، وتتعامل مع الابتكار بوصفه جزءًا من الضيافة الوطنيَّة، فالتعليم والتأهيل المهني يسيران في الاتجاه نفسه لبناء جيل قادر على قيادة السياحة بقدرات تحليليَّة وإبداعيَّة عاليَّة، لِتتحوَّلَ التجربة السياحيَّة إلى فعل معرفة يدمج بَيْنَ التراث والحداثة، ويمنح الزائر صورة واقعيَّة لدولة تجمع بَيْنَ الوعي بالتاريخ والإتقان في صناعة المستقبل.

إنَّ السياحة في سلطنة عُمان تُمثِّل اليوم ملامح مشروع وطني يُعبِّر عن وعي الدولة بِدَوْرها في تشكيل المستقبل، ويؤكِّد أنَّ الهُوِيَّة قادرة على أنْ تكُونَ قوَّة اقتصاديَّة وثقافيَّة في آنٍ واحد. والتكامل بَيْنَ الحضور الدولي والتحوُّل الرقمي والجاهزيَّة الميدانيَّة يضع السَّلطنة في موقع الدولة الَّتي تبني صورتها بالفعل والعمل، والمشهد العُماني في لندن والرياض ومسقط يعكس وحدة فكريَّة ترى في الإنسان أساس التنمية، وفي المعرفة طريق الازدهار؛ لِتتحوَّلَ التجربة السياحيَّة إلى مرآة للوعي الوطني، وتمنح الزائر إدراكًا بأنَّ هذه الأرض تقدِّم روحًا تعرف كيف تحاور العالم بثقة واحترام، لِتكتبَ السَّلطنة حضورها في الوعي الإنساني بلُغة الفعل، وتمنح المستقبل ملامحه من رصانة تاريخها وإرادة نهضتها.