الثلاثاء 04 نوفمبر 2025 م - 13 جمادى الأولى 1447 هـ
أخبار عاجلة

أضواء كاشفة : رعاية ذوي الإعاقة .. مسؤولية مجتمع

أضواء كاشفة : رعاية ذوي الإعاقة .. مسؤولية مجتمع
الثلاثاء - 04 نوفمبر 2025 10:35 ص

ناصر بن سالم اليحمدي

150


خرج إلى النور منذ أيَّام المرسوم السُّلطاني الإنساني رقم (92/2025) الخاص بإصدار قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والَّذي يؤكد مفهوم أنَّ المواطنين في الدولة سواء، وأنَّ من حق كُلِّ مَن يعيش على الأرض الطيبة أن يحصل على حقوقه كاملة مهما كانت ظروفه الصحيَّة والبدنيَّة والعقليَّة.. فقيادتنا الحكيمة تُولِي اهتمامًا خاصًّا بهذه الفئة من أفراد المُجتمع، وتعدُّهم جزءًا أصيلًا منه وتهيئ لهم كافَّة السُّبل من أجل تأهيلهم عَبْرَ البرامج والأنشطة الَّتي تمكِّنهم من التكيُّف مع المُجتمع نفسيًّا واجتماعيًّا والانخراط وسط الأسوياء.. ولقد أظهرت الإحصاءات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات أنَّ إجمالي عدد الأشخاص ذوي الإعاقة العُمانيين بلغ (69) ألفًا و(195) شخصًا بما يُمثِّل (2.3) بالمئة من إجمالي عدد السكان العُمانيين.. (27.8) بالمئة منهم من الأطفال.

ولقد لوحظ في السنوات القليلة الماضية زيادة الجهود الحكوميَّة الَّتي تعمل على توجيه وتنمية قدرات المعوّق فوفَّرت له الأجهزة التأهيليَّة والتعويضيَّة الَّتي تساعده في التغلب على إعاقته، كما أعدَّت الدراسات الخاصة بالكشف المبكر عن الإعاقات، وأدرجت في الميزانيَّة السنويَّة للدولة اعتمادات ماليَّة خاصَّة بهذه الفئة.. كذلك قدَّمت لهم الرعاية الصحيَّة اللازمة والخدمات التعليميَّة بما يتناسب مع قدراتهم ووفَّرت التجهيزات المناسبة بالمسكن لغير القادر على توفيرها، واعتمدت شهادات التأهيل الَّتي تصدرها المراكز المتخصصة دعمًا منها للمعوّقين للانخراط في سوق العمل، حيثُ ألزمت الجهات الحكوميَّة بتعيين نسبة من المعوّقين المؤهلين في الوظائف الَّتي تليق بهم، ومنحهم حقوقهم كاملة بالتساوي مع أقرانهم من الموظفين والعمَّال الآخرين.

ويأتي المرسوم السُّلطاني الأخير ليكفلَ لهم كافَّة حقوقهم من خلال حزمة قرارات جادَّة وحازمة مثل ضرورة إجراء فحص ما قبل الزواج حتَّى لا ينتج عن الأمراض الوراثيَّة أطفال ذوو إعاقة، وتشكيل لجنة من وزارات التنمية الاجتماعيَّة والقوى العاملة والتربية والتعليم والصحَّة والتجارة والصناعة للتنسيق فيما بَيْنَها لتقديم أفضل الخدمات لذوي الإعاقة.. إلى جانب عمل حصر شامل للمعوّقين على مستوى السلطنة، وإنشاء صندوق خدمات خاص بهم، بالإضافة إلى تحويل نادي الأمل إلى نادٍ رياضي اجتماعي يستفيد منه كافَّة المعوّقين وعدم قصره على ذوي الإعاقة السمعيَّة انطلاقًا من مبدأ الرياضة للجميع حتَّى لو كان معوّقًا، وغير ذلك من القرارات المهمَّة الَّتي تصبُّ في صالح ذوي الإعاقة.

إنَّ المعوّق أيًّا كانت إعاقته فإنَّه تكمن بذاته إمكانات يستطيع المُجتمع الاستفادة منها وتسخيرها فيما يعود على الطرفين بالنفع، سواء كانت إعاقته حسيَّة أو جسديَّة أو حتَّى ذهنيَّة فلكُلِّ إنسان طاقة بالإمكان تسخيرها لو تمَّ التعرف عليها وتوجيهها صوب الوجهة الصحيحة ليؤدي بذلك هذا الإنسان دَوْره المنوط به في الحياة.. فالله سبحانه وتعالى خلق كُلَّ إنسان وجعل له دَوْرًا يؤديه، وحكمة من وجوده في الحياة يَجِبُ أن يستفيد منها حتَّى ينعم بسعادة الدارين.

لا شك أنَّ رعاية المعوّقين هي مسؤوليَّة المُجتمع ككُلٍّ.. فهم بحاجة لِمَن يمسح دموعهم ويمنحهم الثقة في قدراتهم ويكفي ما يعانونه من آلام.. فهم الوحيدون الَّذين يقدِّرون نعمة الصحَّة الَّتي هي تاج على رؤوس الأصحاء.. وفي رأيي أنَّ الكثير من أبناء المُجتمع مقصرون في حقِّ المعوّقين حيثُ نلاحظ نظرات الشفقة من قِبل البعض، وأحيانًا الاحتقار والاستهانة نَحْوَ هذه الفئة، ناسين أنه قد تَدُور الدوائر ويكُونُون في موضعهم.. ومتناسين أنَّ دِيننا الحنيف يحثُّنا على التكافل، وأن نرحم الضعيف ونقدر معاناته.

إنَّ الظروف الصحيَّة السيئة الَّتي يتعرض لها المعوّق خارجة عن إرادته؛ لذلك علينا تغيير ثقافة المُجتمع تجاه هذا المعوّق فهو ليس عالة عليه، بل يَجِبُ النظر إليه كإنسان حرمه الله من إحدى نعمه ومن حقِّه علينا أن نوفِّر له الحياة الكريمة اللائقة به مع العمل على الاستفادة من طاقته وإمكاناته وتشجيعه على الانخراط في المُجتمع والدخول في أعمال تتلاءم مع ظروفه.. فالمعوّق كما أنَّه يحتاج إلى المساعدة والرعاية فإنَّه كذلك يحتاج أكثر إلى إظهار احترامنا له ورغبتنا في مشاركته لنا بفاعليَّة في مختلف نواحي الحياة وإثرائه لحياتنا بقدراته، والنظر إليه على أنَّه شريك في التنمية وبناء المُجتمع.

إنَّ المعوّقين أمانة في أعناقنا جميعًا، ويَجِبُ ألَّا نجعل حياتهم أكثر قسوة وشقاء؛ لذلك يَجِبُ تبصير المُجتمع بكيفيَّة التعامل مع هذه الفئة، والأهم هو كيفيَّة تجنُّب حدوث الإعاقة، ومحاولة تقليل نسبتها بَيْنَ أفراد المُجتمع عن طريق البحث عن مسبِّباتها هل هي ناجمة عن عامل وراثي؟ أم مرض؟ أم حادث؟ حتَّى يتمَّ تفادي هذه المسبِّبات وعلاجها لنقتلعَ هذه النقطة السلبيَّة من المُجتمع من جذورها.

ناصر بن سالم اليحمدي

كاتب عماني