الثلاثاء 04 نوفمبر 2025 م - 13 جمادى الأولى 1447 هـ
أخبار عاجلة

فن الدبلوماسية.. الإتيكيت الاجتماعي نواة الإتيكيت الحكومي «1»

فن الدبلوماسية.. الإتيكيت الاجتماعي نواة الإتيكيت الحكومي «1»
الثلاثاء - 04 نوفمبر 2025 10:35 ص

د. سعدون بن حسين الحمداني

10


نحن البشر لم نخلقْ أن نكُونَ قادة أو أطباء أو مهندسين أو رؤساء تنفيذيين أو وزراء أو حتَّى موظفين، لذلك بدأت المدارس الدبلوماسيَّة المتخصصة بفنِّ الدبلوماسيَّة، وبالتعاون مع الكُليَّات والجامعات المتخصصة بعِلم النفْس الاجتماعي، بعد الحرب العالميَّة الثانية، وخصوصًا اليابان وألمانيا وبريطانيا بالاهتمام بالإتيكيت الاجتماعي والَّذي يُعَدُّ النواة والحجر الأساس للإتيكيت الحكومي.

رئيس وزراء بريطانيا السير ونستون تشرشل كان رجُل دولة وجنديًّا وكاتبًا بريطانيًّا وسياسيًّا مُحنَّكًا، شغل منصب رئيس وزراء المملكة المتحدة مرَّتين، من عام 1940 إلى عام 1945م، أثناء الحرب العالميَّة الثانية، ومرَّة أخرى من 1951 إلى 1955م. وصراحةً بعد انتهاء الحرب العالميَّة الثانية، رفع شعار (كُلُّ إنسان قائد في عمله) ضِمن خطَّة مارشال لغرض إعادة بناء لندن والمُدن الأخرى البريطانيَّة الَّتي تدمَّرت أثناء الحرب، وفعلًا نجح بذلك معتمدًا على سِمات القيادة والإدارة الحديثة لإعادة البناء والسَّير قُدمًا نَحْوَ التميُّز والانفراد بالتكنولوجيا، إلَّا أنَّه وجد هناك عدم تجانس بَيْنَ شرائح المُجتمع والوظائف بسبب المسؤوليَّات المناطة لهم، وهذا بسبب عدم تطبيق مفاهيم البروتوكول والإتيكيت والمهارات الدبلوماسيَّة ذات المساس بالحياة اليوميَّة الاجتماعيَّة، فشكَّل خليَّة عمل أغلبهم من الدبلوماسيين المخضرمين في السَّاحة الإنجليزيَّة. وبعد تتويج الملكة اليزابيث عام 1953م، أحييت أجندة المدرسة الإنجليزيَّة بالعهد الفكتوري الَّذي كان نواة المدرسة الدبلوماسيَّة المتخصصة بمفاهيم البروتوكول والإتيكيت الاجتماعي، وتبنَّى تشرشل مقترح الملكة بالاهتمام بالإتيكيت الاجتماعي واعتباره الحجر الأساس للإتيكيت الحكومي.

ويُعرَّف الإتيكيت الاجتماعي بأنَّه: مجموعة من التصرفات والسلوكيَّات الإيجابيَّة أو السلبيَّة من قِبل الفرد بالمُجتمع (مُجتمعة أو منفردة)، وتنظّم طريقة التواصل الجمهور من الأفراد والعوائل مع بعضهم في المُجتمع، ويهدف إلى إظهار السلوك الراقي المهذَّب للفرد أمام الجميع، وإظهار كُلِّ الصفات الحسنة من الاحترام، اللباقة، واللياقة والتواضع والإبداع والتفاعل في التعامل مع الآخرين، سواء في الفعاليَّات الرسميَّة أو الاجتماعيَّة، وهو جزء لا يتجزأ من فنِّ الدبلوماسيَّة، وكذلك رحابة صدر وبشاشة الروح والابتسامة وفنّ المجاملة الراقي واحترام المقابل مهما كان، وتقبُّل النقد البنَّاء وعدم الاستهانة بأيِّ شخص، والابتعاد عن النفاق الإداري والالتزام الكامل بتعليمات المسؤول وعدم التهاون بها، وكذلك الالتزام بإتيكيت إدارة الوقت، والاهتمام بالهندام الخارجي، واختيار ألوان الملابس المناسبة لكُلِّ فعاليَّة، وكذلك الحفاظ على مستوى نبرة الصوت المعتدل، واستخدام واختيار الكلمات والجُمل المهذَّبة أينما كان، وكذلك الاهتمام بالإتيكيت العائلي والعادات والتقاليد الأصيلة.. وغيرها من المفردات ذات الإيجابيَّة العالية الَّتي تصقل من كاريزما الشخص.

يتفاخر كثير من الجامعات والمدارس الأجنبيَّة بإدخال مفردات الإتيكيت الاجتماعي في مدارس الابتدائيَّة والمتوسطة؛ لِمَا لها من أهميَّة بصقل وتهيئة الجميع للعمل بكفاءة عالية، حيثُ ركَّزت المدارس والجامعات البريطانيَّة على الفئات الوظيفيَّة البسيطة؛ لكونها تُمثِّل شريحة كبيرة من المُجتمع، وبدأت تصقل وتطوِّر مهارات الموظفين وبقيَّة الموارد البشريَّة ذات المناصب والوظائف بتماس مع الجمهور؛ لأنَّ المواطن العادي حين يراجع دائرة معيَّنة أو جهة حكوميَّة فهو لا يرى الوزير أو الوكيل أو الرئيس التنفيذي.. وغيرها من الوظائف الانفراديَّة الَّتي يشغلها شخص واحد؛ لذلك ركَّزت كثيرًا على القاعدة الوظيفيَّة المتسعة، وهي أصلًا أساس التنمية والواجهة الرئيسة لأيِّ جهة.

وحذَّرت مدارس عِلم النفْس الاجتماعي، وكذلك المختصون في الإتيكيت الاجتماعي، من أنَّ ما يدمِّر مبادئ الإتيكيت الاجتماعي هو التزمُّت والتقوقع وديكتاتوريَّة القرار الخاطئ وعدم دراسته بصورة جديَّة بعيدًا عن العقلانيَّة وعِلم المنطق؛ لذلك ينصح علماء عِلم النفْس بضرورة الابتعاد أو تأجيل اتخاذ القرار في حالة عدم وضوح الصورة أمام الشخص، وعليه أن يدرس الإيجابيَّات والسلبيَّات بكُلِّ دقَّة، ويرى كفَّة الميزان الَّتي سوف تدق، فهو القرار الصحيح ويتحمل قراره بجميع جوانبه؛ لذلك يحذِّرون من هذه القرارات والَّتي سوف يندم عليها الشخص لاحقًا بعد مرور فترة زمنيَّة ليس بالقصيرة بسبب تزمُّته بالقرار لأيِّ سببٍ كان؛ لذلك يشدِّدون كثيرًا في الإتيكيت الاجتماعي على الهدوء والتَّأني، ودراسة الحالة بجميع جوانبها السلبيَّة والإيجابيَّة.

الإتيكيت الحكومي يختلف كثيرًا على الإتيكيت المهني من حيثُ السِّمات والنظريَّات وحتَّى المدارس، فنلاحظ المدارس الشرقيَّة الَّتي تقودها بالعصر الحديث الصين وروسيا تعتمد كثيرًا على الإتيكيت المهني، ولكن ليس بعيدًا عن الإتيكيت الحكومي، ويكاد يكُونُ متّصلًا. فعلى سبيل المثال، مهنة النجارة لا ترتبط كثيرًا بالصندوق السيادي والدخل القومي للفرد في أغلب دول العالم، ولكن مفردات الذكاء الاصطناعي ومهارة التخطيط، والتنفيذ بالتطور التكنولوجي، سواء بالجامعات أو الكُليَّات مرتبطة في بعض الدول بهرم الدولة؛ لِمَا لها من أهميَّة في دعم ميزانيَّة البلد؛ لذلك هناك اختلاف كبير بَيْنَ المهني والحكومي.

(المصدر: ويكيبيديا (تشرشل، اليزابيث الثانية)

د. سعدون بن حسين الحمداني

دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت