يُشكِّل تدشين سوق الشركات الواعدة خطوةً استراتيجيَّة تترجم التَّوجيهات السَّامية لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ، نَحْوَ بناء اقتصاد متنوع ومستدام يقوده القِطاع الخاص بكفاءة عالية، ضِمن مسار مدروس لإعادة هيكلة منظومة التمويل الوطني. فالمبادرة تُعَبِّر عن مرحلة جديدة في إدارة أدوات النُّمو، إذ تضع الأساس لتحويل سوق رأس المال إلى رافد مباشر لتمويل التوسُّع المؤسَّسي، بما يُعزِّز الإنتاجيَّة ويزيد جاذبيَّة الاستثمار. وتأتي هذه الخطوة ضِمن رؤية واضحة ترسِّخ مبادئ الشفافيَّة والحوكمة، وتُسهم في دمج الشركات الصغيرة والمتوسطة والعائليَّة ضِمن بيئة ماليَّة منظَّمة، تتيح لها الوصول إلى التمويل المستدام والارتقاء إلى مستويات أعلى من الكفاءة التشغيليَّة. فالسوق الجديدة تؤسِّس لثقافة اقتصاديَّة تقوم على الإفصاح والانفتاح والمساءلة، وتجسِّد توجُّه الدولة في جعل التمويل الذَّكي أحد محركات التحوُّل الاقتصادي الوطني.
ويأتي إنشاء سوق الشركات الواعدة امتدادًا مباشرًا للتوجيهات السَّامية لعاهل البلاد المُفدَّى ـ أبقاهُ اللهُ ـ لتجسيد التحوُّل من التخطيط إلى التنفيذ في بناء اقتصاد متنوع قائم على الشراكة بَيْنَ الدولة والقِطاع الخاص، تُعِيد هذه السوق تعريف العلاقة بَيْنَ التمويل والإنتاج عَبْرَ نموذج متكامل يربط الشركات الصغيرة والمتوسطة والعائليَّة بمنظومة سوق المال، في إطار من الحوكمة والانضباط المالي. فالمنصَّة الجديدة تتيح فرصًا واسعة للنُّمو، وتمنح هذه الشركات أدوات تمويل عصريَّة تقوم على الإفصاح والثقة، وتُعزِّز ارتباطها بمؤسَّسات التمويل المحليَّة والإقليميَّة، حيثُ تصميم السوق يقوم على المرونة ويستوعب تنوع الشركات المستهدفة، ما يرفع كفاءتها التشغيليَّة ويمنحها قدرة أكبر على التوسُّع في بيئة استثماريَّة قائمة على الشفافيَّة والاستدامة، وعَبْرَ هذا النَّهج تتحول سوق الشركات الواعدة إلى حلقة وصل حقيقيَّة بَيْنَ رأس المال المنتج ومشروعات النُّمو الوطني.
ولعلَّ أبرزَ ما يُميِّز تلك الخطوة هو الشراكة المؤسَّسيَّة الواسعة الَّتي تفاعلت لإنشاء سوق الشركات الواعدة، ما يعكس نضج المنظومة الاقتصاديَّة وقدرتها على العمل بتناغم استراتيجي تتكامل فيه الأدوار، بَيْنَ الجهات المعنيَّة لتطوير سوق رأس المال، كما يبرز البرنامج الوطني للاستدامة الماليَّة وتطوير القِطاع المالي (استدامة) بوصفه الإطار الَّذي ينسِّق الجهود ويحدِّد المسارات، بَيْنَما تضطلع هيئة الخدمات الماليَّة بوضع القواعد التنظيميَّة الَّتي تَضْمن الانضباط والشفافيَّة، وتتولى بورصة مسقط مسؤوليَّة التنفيذ والإدراج والتداول، وتتكامل معها شركة مسقط للمقاصة والإيداع من خلال تطوير أنظمة التسوية وإدارة سجلات المستثمرين بكفاءة عالية، هذا التعاون يعكس إدراكًا عميقًا بأنَّ تنويع الاقتصاد يتطلب شراكة مؤسَّسيَّة تترجم السياسات إلى تطبيق فعلي عَبْرَ آليَّات دقيقة، وتُمثِّل السوق الجديدة ثمرة هذا التناغم الوطني، وتؤسِّس لبيئة ماليَّة أكثر استقرارًا وجاذبيَّة، قادرة على استيعاب الاستثمار المنتج وتحفيز رأس المال نَحْوَ القِطاعات الواعدة.
إنَّ سوق الشركات الواعدة تُمثِّل مرحلةً متقدِّمة في مسار بناء الاقتصاد الوطني،؛ لأنَّها تجمع بَيْنَ الرؤية السَّامية لمُجدِّد نهضة عُمان الحديثة، والإرادة التنفيذيَّة لمؤسَّسات الدولة والقِطاع الخاص معًا، هذه الخطوة تُعِيد رسم خريطة التمويل والاستثمار في سلطنة عُمان وفْقَ نهج يقوم على الشفافيَّة والمساءلة والابتكار، وتضع الأساس لاقتصاد منتج تتوزع فيه فرص النُّمو بعدالة على مختلف القِطاعات، المنصَّة الجديدة تُسهم في توجيه رأس المال نَحْوَ الأنشطة الحقيقيَّة الَّتي تولد قِيمة مضافة، وتدعم بيئة الأعمال القائمة على الثقة والانفتاح والاستدامة، بهذا المسار تترسخ مكانة البلاد كوجهة استثماريَّة واعدة في الإقليم، ويترجم العمل المؤسَّسي المتكامل مضمون رؤية «عُمان 2040» الَّتي جعلت من الإنسان والاقتصاد ركيزتيْنِ متلازمتيْنِ لبناء مستقبل أكثر استقرارًا ونماءً.