الأربعاء 05 نوفمبر 2025 م - 14 جمادى الأولى 1447 هـ
أخبار عاجلة

التاريخ البحري العماني عبر العصور.. إرث ثقافـي وحضاري عريق

التاريخ البحري العماني عبر العصور.. إرث ثقافـي وحضاري عريق
الأحد - 02 نوفمبر 2025 01:58 م
10

مسقط ـ العُمانية: يُجسّد التاريخ البحري العُماني عبر العصور إرثًا ثقافيًّا وحضاريًّا ضاربًا في الجذور، جعل من سلطنة عُمان أمّةً بحريّةً رائدة، وجسرًا للتواصل بين الحضارات عبر الحوار والسلام مع مختلف شعوب العالم، مشكّلًا صورةً حضاريّةً مُشرقة للعُمانيين في ميادين الإنسانية جمعاء. إنّ المُتتبع للإرث البحري العُماني العريق يرى بوضوح أثر القيم العُمانية الأصيلة من أمانةٍ وصدقٍ وحسن معاملة، ولا تزال بصماتها قائمة حتى اليوم في إفريقيا والهند والصين وجزر جنوب شرق آسيا، وأسهمت في توطيد الروابط الإنسانية والدينية والثقافية ليغدو التاريخ البحري العُماني مصدر إلهام للأجيال في ترسيخ مبادئ التّسامح والتّعاون والانفتاح. ويتناول هذا التقرير ملامح التاريخ البحري العُماني، وأبرز المحطات الجغرافية والرمزية في مسيرة الإبحار العُمانية، كما يستعرض دور الشخصيات والمبادرات التي أسهمت في بناء هذا الإرث، واستثمار سلطنة عُمان هذا الرصيد الحضاري في تعزيز حضورها المعاصر عبر القوة الناعمة والدبلوماسية الثقافية. يقول الشيخ حمود بن حمد الغيلاني الباحث في التاريخ البحري العُماني لوكالة الأنباء العُمانية إنّ لكل أمة من الأمم ثقافتها الخاصة، وعُمان باعتبارها جزءًا من هذا العالم، لا يمكن نسيان أو تجاوز تلك الثقافة بالارتحال بصورتيه الارتحال الفردي أو الجماعي، وبالتأكيد لا بُد من التأثير والتأثر مع أبناء تلك الدول، والأكيد أنّ قوة التأثير قد تختلف من موقع لآخر. وأضاف: أنّ التأثير العُماني كان واضحًا وجليًّا من خلال نشر الدين الإسلامي، ويتضح أكثر في الجانب الإفريقي، فنشر الإسلام لم يأتِ بطريقة إجبارية لأبناء شرق إفريقيا وغيرها، بل اعتمد على طيب الكلمة وحُسن المعاملة وصدق التعاون والأمانة، بل إنّ صدق المعتقد عند العُمانيين لفت نظر الكثير من الأفارقة مما دفعهم إلى الدخول في الإسلام، وهناك العديد من القصص منها قصة (العامري) وملك أوغندا في حادثة القربان، وما حدث في الهند والصين وجزر جنوب شرق آسيا.

وأفاد بأنّ من تأثيرات العُمانيين والعرب قديمًا في الهند أنّ (زامورين) راجا كاليكوت كان يرتدى ملابس المسلمين رغم أنه كان هندوسيًّا، ومن الآثار الثقافية العُمانية في شرق إفريقيا ظهور الصحافة العربية العُمانية من خلال الصحف العربية مثل (النجاح، والنادي، والفلق، والنهضة، والأمة، الإصلاح، والجريدة الرسمية).

وحول أثر العُمانيين في الأثر المعرفي قال: إنّ المعارف العلمية خصوصًا تلك التي تعتمد منهج التجريب والممارسة هي أكثر أثرًا في الإنسان، وأكثر ثباتًا، ولأن العُمانيين مارسوا الإبحار الملاحي، اكتسبوا الكثير من الخبرات والمعارف في هذا المجال، فألفوا الكثير من الكتب، ويكفي أن نشير إلى أحمد بن ماجد، ومن سبقه من الملّاحين العُمانيين مثل، يزيد العماني وإسماعيل بن إبراهيم بن مرداس (إسمعيلويه)، وجعفر بن لاكيس، وجهود كوتاه، فحدّدوا المسارات، وهي معلومات اقتبسها الكثير من الأمم التي تعامل معها العُمانيون كربابنة.

وفيما يتصل بالاستفادة من هذا الإرث والتاريخ البحري العُماني عبر العصور كقوة ناعمة يقول المكرّم الدكتور صالح بن محمد الفهدي، عضو مجلس الدولة لوكالة الأنباء العُمانية إنّ التاريخ البحري العُماني جزءٌ رئيس من الإرث العُماني العريق، الذي أسهم في تشكيل ثقافة الإنسان العُماني، من قيمٍ ومبادئ وتوجُّهات، ومنطلقُ ذلك الموقع الجغرافي الطبيعي لعُمان، وهو هِبَةٌ ربَّانية عظيمة.

وأضاف: أنّ سلطنة عُمان منذ قديم الآماد كانت محطَّةً مهمَّة تربطُ بين قارات العالم، وبين الشرقِ والغرب، فقد حظي موقعها المتميِّز باهتمام الشعوب التي ركبت البحر، وتنقَّلت بين بلدان العالم، فكانت موانئ مسقط، وصحار، وقلهات، وصور، وسمهرم ومرباط وغيرها من الموانئ العُمانية محطات مهمَّة للتزوُّدِ بالمؤونة، وتبادل السلع، والاسترخاءِ من عناءِ الأسفار البحرية، الأمر الذي كان له الأثر العميق في اختلاط الناس على اختلاف أجناسهم وأعراقهم وألوانهم وثقافاتهم بالعُمانيين.

وأشار: إلى أنّ التاريخ عرف عن العُمانيين بأنهم أسيادُ البحار، إذ جابوا البحار والمحيطات حتى وصلوا إلى الصين، ولم يكن الوصول إلى تلك البقاع قبل الميلاد أمرًا مألوفًا، أو يسيرًا، ولهذا توثِّق الحوليات الصينية للأُسر الصينية الحاكمة بأن العُمانيين هم أول العرب الواصلين إلى الصين، وتحديدًا إلى ميناء كانتون (غوانزوا) حاليًّا.

وحول المعارف البحرية العُمانية ودورها في التواصل الحضاري والتجاري عبر العصور وأثرها يقول خالد بن علي المخيني باحث في المجال البحري لوكالة الأنباء العُمانية: لم يكن البحر للعُمانيين مجرد فضاءٍ أزرقَ ممتدّ، بل كان قدرًا وهُوية، ومدرسةً كبرى صاغت ملامح تاريخهم الحضاري فقد شاءت الجغرافيا أن تطلّ سلطنة عُمان على ثلاثة مسطحات مائية، وأن يطردها ظهيرها الصحراوي نحو البحر كلما اشتدّ الجفاف، فكان لا بد أن يتعلّق أبناؤها بالموج، وأن يجعلوا من البحر طريقًا للحياة والرزق والتواصل مع العالم، ومن رحم هذا التحدّي برز العُمانيون روّادًا في الإبحار وصناعة السّفن، وتجارًا حملوا بضائعهم وأحلامهم بين الشرق والغرب. وأضاف: أنّ البحّارة العُمانيين توارثوا عبر الأجيال معارف دقيقة في فنون الملاحة، فاستدلّوا بالنجوم على المسالك، وقرأوا الطقس ليتنبّؤوا بمواسم الأمطار والعواصف، وبرعوا في معرفة الرياح الموسمية التي كانت مفتاح ازدهار تجارتهم، كما سجّلوا خبراتهم عن المدّ والجزر والمضائق والجزر، حتى باتوا يقرؤون البحر ككتاب مفتوح، يستدلّون فيه على العواصف من تغيّر لونه أو من حركة الطيور المهاجرة، وبفضل ذلك أبحروا في كل اتجاه، وأبدعوا في تدوين المخطوطات والروزنامات الملاحية التي خلدت علمهم.

وحول الأدوات البحرية والجغرافيا العُمانية أشار إلى أنّ البحارة العُمانيين استخدموا أدوات تقليدية أعانتهم على اقتحام المجهول: الإسطرلاب البحري وخشبات ابن ماجد والبوصلة لتحديد الاتجاهات، و(البلد) لتقدير الأعماق، وهو حبل ينتهي بقطعة رصاص ملحقة بالشحم تكشف طبيعة القاع وصلاحيته للرسو، كما استعانوا بالساعة الرملية و(الباطلي) لقياس سرعة السفينة، ثم أفادوا لاحقًا من الخرائط الأوروبية وقياسات سمت الشمس.

وقالت الدكتورة بدرية بنت محمد النبهانية، باحثة ومحاضِرة في التاريخ، لوكالة الأنباء العُمانية، إنّ مشروع سفينة جوهرة مسقط جاء لإعادة إحياء طريق التواصل التجاري البحري بين عُمان وشبه الجزيرة العربية في القرن التاسع الميلادي بعد اكتشاف حطام سفينة غارقة في المياه الإقليمية الإندونيسية.

ووضّحت: أنّ فكرة المشروع انطلقت في سلطنة عُمان عام 2006م، حين اقترح المغفور له السُّلطان قابوس بن سعيد طيّب الله ثراه إعادة بناء السفينة وإهداءها لسنغافورة تعزيزًا للعلاقات التاريخية بين البلدين، وقد تولّت سلطنة عُمان تمويل مشروع البناء، بينما تكفّلت سنغافورة بدعم الرحلة حتى وصولها إليها، ليصبح المشروع رمزًا للتعاون والصداقة بين الشعبين.

ووضّحت الدكتورة أحلام بنت حمود الجهورية، الباحثة والكاتبة في التاريخ، لوكالة الأنباء العُمانية، أن الموقع الجغرافي والطبيعي لعُمان شكّل، على مر العصور، نقطة محورية في حركة التواصل الحضاري بين الأمم، وأسهم بشكل فاعل في النشاط التجاري البحري في منطقة الشرق الأدنى القديم. وأضافت: أن سلطنة عُمان اضطلعت بدور تاريخي بارز في صياغة الأحداث التجارية والبحرية التي شهدتها المنطقة، وأصبحت مهدًا رائدًا للملاحة البحرية بفضل الروّاد من البحّارة العُمانيين الذين جعلوا منها وجهة بحرية مزدهرة، اتسمت بكثرة سفنها وتنوّعها، واتساع رقعة نشاطها التجاري، ليغدو البحر شريانًا حيويًّا لنقل الثقافة وتعزيز التواصل بين الشعوب.

وفي سياق إحياء التراث البحري العُماني، أشارت إلى أن بعض السفن الشراعية العُمانية قامت برحلات تاريخيّة لإحياء المسارات البحرية القديمة وتوثيق العلاقات العُمانية الدولية، مثل رحلة سفينة صحار إلى الصين عام 1980م، ورحلة جوهرة مسقط إلى سنغافورة عام 2010م.

التاريخ البحري العماني عبر العصور.. إرث ثقافـي وحضاري عريق
التاريخ البحري العماني عبر العصور.. إرث ثقافـي وحضاري عريق
التاريخ البحري العماني عبر العصور.. إرث ثقافـي وحضاري عريق
التاريخ البحري العماني عبر العصور.. إرث ثقافـي وحضاري عريق
التاريخ البحري العماني عبر العصور.. إرث ثقافـي وحضاري عريق