القدس المحتلة ـ «الوطن»:
منذ إعلان وقف إطلاق النار في غزة في العاشر من أكتوبر الجاري، ودخول المرحلة الأولى من الانسحاب الإسرائيلي إلى ما يُعرف بـ«الخط الأصفر»، لم ينجح الهدوء في بسط نفسه على القطاع كما كان مأمولاً.
فسياسة الاحتلال في تفجير المنازل تتواصل بوتيرة متقطعة في المناطق الواقعة خارج هذا الخط، لتعيد إلى أذهان الفلسطينيين مشاهد الحرب التي يُفترض أنها انتهت.
تتصاعد الانفجارات ليلاً في المناطق الشرقية والشمالية من غزة، وتبرر قوات الاحتلال ذلك بأنها عمليات «تطهير أمني» أو «إزالة مبانٍ قريبة من الحدود لأسباب احترازية»، لكنها بالنسبة للأهالي مجرد وجهٍ آخر لاستمرار الحرب بصورة غير معلنة.
يقول فلسطينيون إن دوي التفجيرات لا يهدأ، وإن هذه الأصوات تُبقي الخوف حاضراً في قلوبهم، فيما يرى مراقبون أن الاحتلال يحاول عبرها تثبيت واقع ميداني جديد على الأرض.
تسببت هذه السياسة، من الناحية الإنسانية، في مضاعفة معاناة الأهالي الذين حُرموا من العودة إلى بيوتهم أو إعادة إعمارها، ليعيشوا ما يشبه «هدنة فوق الركام».حنان جندية (42 عاماً)، نازحة من حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، تقول إن قلبها «ينخلع» مع كل انفجار جديد.
منذ وقف إطلاق النار، تعيش حنان على أمل انتهاء الكوابيس، لكنها لا تجد تفسيراً لأصوات الانفجارات التي تتكرر كل ليلة.
“نسمع أصواتاً قريبة وبعيدة، يقولون إنها بيوت تُنسف خارج الخط الأصفر، لكن بيوتنا وركامنا تقع خلفه مباشرة، ولا يُسمح لنا بالعودة إليها”، تقول حنان بنبرة متعبة، وتضيف: “الهدوء لا يُقاس بالتصريحات، بل بالصمت الذي نحتاجه لنستعيد أنفاسنا. الأطفال يستيقظون فزعين، وأنا لا أستطيع طمأنتهم… كيف أشرح لهم أن الحرب انتهت وهم يسمعون دوي الانفجارات كل ليلة؟”.
رائدة رضوان، معلمة حكومية توقفت عن العمل منذ بداية الحرب، كانت تعتقد أن وقف إطلاق النار سيعيد إليها ليالي هادئة. لكن الواقع مختلف تماماً.
تقول: كل ليلة نسمع أصوات انفجارات قوية تعيد إلينا ذاكرة القصف. أحاول أن أدرّس بعض الأطفال في الحي بعد انقطاعهم عن المدرسة، لكنهم يتحدثون دوماً عن خوفهم من الأصوات. هؤلاء الأطفال يظنون أن الحرب انتهت كما أخبرهم أهلهم، لكن الانفجارات تجعلهم يشكّون بكل ما يُقال لهم”. تتابع ليلى بأسى: “ما الجدوى من الاتفاق إذا كنا لا نستطيع النوم بسلام؟ نحتاج إلى راحة بعد شهور من القصف والمعاناة، لكن هذه الأصوات تُبقي الخوف حياً فينا”.