الاثنين 03 نوفمبر 2025 م - 12 جمادى الأولى 1447 هـ
أخبار عاجلة

بين مضيق هرمز ومضيق جبل طارق.. آفاق من التعاون العماني الإسباني

بين مضيق هرمز ومضيق جبل طارق.. آفاق من التعاون العماني الإسباني
الأحد - 02 نوفمبر 2025 12:02 م

سيف بن خلفان الكندي

60

منذ بدء العلاقات الدبلوماسيَّة رسميًّا بَيْنَ سلطنة عُمان وإسبانيا في العام 1972 عَبْرَ تبادل البعثات الدبلوماسيَّة وعلى مدى العقود، تعزَّزت تلك العلاقات من خلال زيارات رفيعة المستوى، بدأت بزيارة الملك الإسباني السابق خوان كارلوس الأول إلى سلطنة عُمان عام 2014، وقد شهدت تلك الزيارة توقيع اتفاقيَّات في قِطاعات متعددة لتعزيز أواصر الثقة بَيْنَ البلدين؛ وبالتَّالي تُمثِّل العلاقات العُمانيَّة الإسبانيَّة نموذجًا للتعاون بَيْنَ الدول ذات الخصائص الثقافيَّة والاقتصاديَّة المتميزة. فمن خلال الجمع بَيْنَ التاريخ المشترك والمصالح الاقتصاديَّة المتبادلة، يُمكِن للبلدين تعزيز مكانتهما الإقليميَّة والدوليَّة. ومع تركيز سلطنة عُمان على «رؤية عُمان 2040» وإسبانيا على «الأجندة الإسبانيَّة 2030» وعَبْرَ تعزيز حضورها في منطقة الشرق الأوسط، تُعَدُّ الشراكة بَيْنَهما ركيزة أساسيَّة لتحقيق التنمية المستدامة والاستقرار الإقليمي.

وتأتي الزيارة السامية لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ إلى مملكة إسبانيا خلال هذه الأيَّام ولقاؤه بجلالة الملك فيليبي السادس ملك مملكة إسبانيا بهدف تعزيز تلك العلاقات بَيْنَ البلدين الصَّديقين وتنمية الفرص الاستثماريَّة، وتعزيز الجوانب الاقتصاديَّة المتاحة لدى البلدين مع إمكانيَّة تعزيز الشراكة الاستراتيجيَّة، خصوصًا في المجالات الاقتصاديَّة والتكنولوجيا، وتعزيز الاستثمار في مجالات الطاقة الخضراء.

وتشهد العلاقات الاقتصاديَّة بَيْنَ البلدين نموًّا ملحوظًا، حيثُ بلغ حجم التبادل التجاري (94) مليون ريال عُماني بنهاية 2024، مع وجود أكثر من (30) شركة إسبانيَّة تنفِّذ مشاريع استراتيجيَّة في سلطنة عُمان، مثل «أكواليا» في إدارة المياه، و»إلكنور» في مشاريع الطاقة الشمسيَّة، كما تُسهم شركات إسبانيَّة مهمَّة مثل «تكنيكاس ريونيداس» الإسبانيَّة بالعمل في مشروع مصفاة الدقم العُمانيَّة.

وممَّا عزَّز ذلك النُّمو هو تنوع الصادرات بَيْنَ البلدين فتشمل الصادرات العُمانيَّة إلى إسبانيا ـ على سبيل المثال ـ الألمنيوم وعدد من المواد الكيميائيَّة، كما تستورد من إسبانيا السُّفن والمَركبات والمعدَّات. وتتنوع مظاهر التعاون بَيْنَ البلدين الصَّديقين، حيثُ تمَّ سابقًا إنشاء الصندوق العُماني الإسباني للاستثمار (SOPEF) الَّذي أُنشئ عام 2018 برأسمال بلغ (133) مليون ريال عُماني بحلول عام 2023، واستثمر في (11) شركة إسبانيَّة ضِمن قِطاعات الطاقة المُتجدِّدة والتكنولوجيا. أمَّا عن الاستثمارات الإسبانيَّة في سلطنة عُمان فتُعَدُّ ثالث أكبر مستفيد من الاستثمارات الإسبانيَّة في دول الخليج بقِيمة استثمارات تصل إلى (37) مليون ريال عُماني خصوصًا في قِطاعات السياحة والبنية الأساسيَّة.

ومن أجل تعزيز تلك العلاقات العُمانيَّة الإسبانيَّة ودفعها نَحْوَ آفاق أوسع وأشمل، يُمكِن التركيز على عدد من الاستراتيجيَّات الَّتي تستند إلى نقاط القوَّة الحاليَّة وتعالج التحدِّيات القائمة، وكذلك استغلال الفرص المشتركة عَبْرَ التركيز على مجالات مبتكرة مثل الطاقة الخضراء كالهيدروجين الأخضر والاستثمار المشترك في مجالات الطاقة الشمسيَّة، وكذلك تعزيز التعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والفضاء ودعم الشراكات الفاعلة بَيْنَ الشركات العُمانيَّة والإسبانيَّة في الأمن الغذائي. كما يُمكِن زيادة تفعيل الصندوق العُماني الإسباني (SOPEF) عَبْرَ زيادة رأسماله لتمويل مشاريع البنية الأساسيَّة الذكيَّة أو المُدُن المستدامة وتوجيه استثماراته نَحْوَ الابتكار التكنولوجي والمشاريع المستدامة. إضافةً إلى توقيع اتفاقيَّات لتجنُّب الازدواج الضريبي، وتخفيف القيود الجمركيَّة، وإنشاء منصَّات رقميَّة مشتركة لدعم روَّاد الأعمال في البلدين، وتسهيل مناخ الأعمال ودعم الشراكات في القطاعات الاستراتيجيَّة ذات الصلة بالأمن الغذائي، وكذلك الاستفادة من التكنولوجيا الإسبانيَّة في الزراعة الذكيَّة حيثُ توجد لدى إسبانيا العديد من الشركات الكبيرة العاملة في ذلك المجال مثل شركة «أجريسبين» الَّتي يُمكِن أن تُسهم في تعزيز الإنتاج المحلِّي في سلطنة عُمان، خصوصًا في محاصيل القمح والنخيل والفواكه، كما يُمكِن دعم قِطاعات النقل والخدمات اللوجستيَّة، وكذلك الاستثمار في تطوير الموانئ العُمانيَّة ومد جسور التعاون بَيْنَها وبَيْنَ الموانئ الإسبانيَّة باستخدام الخبرة الإسبانيَّة في إدارة الموانئ، كما هو الحال في ميناء برشلونة ذا الشهرة العالميَّة.

كما يُمكِن أن يمتدَّ التعاون ليشملَ دعم مشاريع التحول الرقمي ونقل الخبرة الإسبانيَّة في تحويل المُدن إلى مُدن ذكيَّة وأتمتة الخدمات، ويُمكِن تدشين مشاريع مشتركة في إنترنت الأشياء (IoT). أمَّا في مجالات التعاون الثقافي والسياحي فهناك مجالات عدَّة لتطوير ذلك الجانب المهمِّ عَبْرَ إحياء التراث المشترك، وتنظيم معارض فنيَّة مشتركة تُبرز الجوانب الثقافيَّة الأندلسيَّة والتراث العُماني العريق، أو إنتاج أفلام وثائقيَّة بالشراكة مع قنوات إسبانيَّة عالميَّة. كما يُمكِن للبلدين تعزيز السياحة البَيْنِيَّة وإطلاق رحلات جويَّة مباشرة بَيْنَ مسقط ومدريد والعكس عَبْرَ شركات النقل الجويَّة، وتصميم برامج سياحيَّة تدمج بَيْنَ المواقع السياحيَّة في كلا البلدين.

سيف بن خلفان الكندي

إعلامي عماني