يحمل مفهوم السياحة الحضريَّة الَّتي تتركَّز في المُدن الكبرى والمراكز الحضريَّة العديد من مُكوِّنات التنوع في المنتج السياحي؛ إذ إنَّه يقوم على زيارة السيَّاح للمُدن والمراكز الحضريَّة لأغراض متعددة تشمل الثقافة والتسوق، والفعاليَّات والمؤتمرات أو حتَّى العلاج، الأمر الَّذي يجعلها عامرةً بفرص اقتصاديَّة حقيقيَّة تنسحب على كافَّة القِطاعات الاقتصاديَّة لِتتعاظمَ هذه الفوائد مع تميُّز المُدن بأنَّها تجمع البنية الأساسيَّة والخدمات والأنشطة الاقتصاديَّة في مساحة محدودة، ممَّا يجعلها وجهات سياحيَّة نشطة على مدار العام، بخلاف المناطق الموسميَّة.
ولعلَّ أُولى الفرص الحقيقيَّة الَّتي توفِّرها السياحة الحضريَّة هي خلق الوظائف المباشرة وغير المباشرة، سواء في مجالات الضيافة أو في النقل ومراكز الترفيه، والفعاليَّات مع دعم وظائف غير مباشرة في القِطاعات الداعمة مثل الزراعة والحِرف، والخدمات اللوجستيَّة، علاوةً على تنشيط ريادة الأعمال المحليَّة، حيثُ يتيح تدفُّق السيَّاح فرصًا لأصحاب المشاريع الصغيرة لتقديم منتجات وخدمات مبتكرة (جولات ثقافيَّة، مقاهٍ متخصصة، متاجر حِرف يدويَّة، تطبيقات ذكيَّة للسياحة وغيرها، علاوةً على أنَّ تطوير المَرافق من خلال تحفيز الاستثمار في البنية الأساسيَّة يقود إلى تحسين جودة الحياة للسكَّان بشكلٍ عام.
والمرتكز الرئيس الَّذي يقوم عليه عنصر الجذب في السياحة الحضريَّة هو ترويج الهُوِيَّة الثقافيَّة والحضاريَّة من خلال التراث العمراني، والفنون والمأكولات التقليديَّة.
وتُعَدُّ سلطنة عُمان من الدول الَّتي تمتلك مُقوِّمات سياحة حضريَّة واعدة، خصوصًا مع توجُّهها نَحْوَ التنويع الاقتصادي في رؤية «عُمان 2040»، حيثُ إنَّ مُدنًا مثل مسقط: العاصمة الَّتي تُمثِّل القلب الحضري النابض وصلالة بهُوِيَّتها المناخيَّة والثقافيَّة الفريدة، وكذلك نزوى وصحار وصور، وغيرها من المُدن التاريخيَّة يُمكِنها أن تتبوأ مكانة كبيرة كمراكز سياحيَّة حضريَّة تعتمد على الإرث العمراني والحِرف المحليَّة، وجميعها تجمع بَيْنَ التاريخ والحداثة وفيها المتاحف والأسواق القديمة والمراكز التجاريَّة والمَرافق البحريَّة؛ وبالتالي فإنَّ تطويرها كمركز للسياحة الحضريَّة يعني التركيز على تجربة الزائر في المدينة نفسها، وليس فقط كـ»محطَّة عبور» إلى الوجهات الطبيعيَّة، بل نقاط انطلاق لاكتشاف سلطنة عُمان بعُمقها الثقافي والإنساني.
وهذا التوجُّه يتكامل تمامًا مع أهداف رؤية «عُمان 2040» الَّتي تضع السياحة كأحد المحركات الرئيسة للتنمية الاقتصاديَّة المستدامة والقِطاعات المعوَّل عليها في التنويع الاقتصادي.
هيثم العايدي
كاتب صحفي مصري