الاثنين 03 نوفمبر 2025 م - 12 جمادى الأولى 1447 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن : شراكة تفتح الآفاق

الأحد - 02 نوفمبر 2025 03:50 م

رأي الوطن

30


تُمثِّل زيارة حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ إلى مملكة إسبانيا محطَّةً دبلوماسيَّة ذات دلالات استراتيجيَّة في مسار الحضور العُماني على السَّاحة الدوليَّة. فهي زيارة تُعَبِّر عن نهج متَّزن يقوم على بناء العلاقات لا من موقع التأثر بالتحوُّلات، وإنَّما من موقع القدرة على قراءتها واستباقها برؤية واضحة. وتأتي زيارة «دولة» السَّامية امتدادًا لسياسة خارجيَّة صاغتْ مكانة عُمان في النِّظام الدّولي الحديث، وجعلتْ مِنها دَولة يُستدعَى صوتها حين يبحث العالم عن التوازن والاحترام المتبادل. ومع اتِّساع التحدِّيات العالميَّة، تبرز هذه الخطوة تأكيدًا على الثِّقة المتبادلة بَيْنَ سلطنة عُمان وشركائها، وترسيخًا لموقعها كطرفٍ فاعل في صياغة معادلة الأمن والسِّلم الدوليين عَبْرَ حضورٍ هادئ يستند إلى القوَّة الأخلاقيَّة والاحترام السِّياسي المتبادل.

وتعكس الزِّيارة السَّامية أيضًا عُمق التَّوَجُّه الاقتصادي الَّذي تتبنَّاه البلاد في علاقاتها الدوليَّة، حيثُ تتحوَّل الشراكة إلى رافعة استراتيجيَّة تخدم المصالح المشتركة وتفتح آفاقًا جديدة للتكامل، كما ستُشكِّل الزِّيارة السَّامية لعاهل البلاد المُفدَّى نقلةً نوعيَّة في مسار العلاقات العُمانيَّة الإسبانيَّة من خلال ما تحمله من برامج واتفاقات تُعزِّز الاستثمار المتبادل، وتعمِّق مسارات التعاون في القِطاعات الحيويَّة. فالعلاقات بَيْنَ البلدين انتقلت من التعاون التقليدي إلى شراكات نوعيَّة تشمل الطاقة المُتجدِّدة والصناعات المتقدِّمة والسياحة والبنية الأساسيَّة، في إطار رؤية سامية تستهدف تحويل الاقتصاد إلى أداة نفوذ ناعم يرسِّخ الحضور الوطني في الأسواق الأوروبيَّة. ويبرز الصندوق العُماني الإسباني المشترك نموذجًا لهذا المسار باستثماراته الَّتي تجاوزت (133) مليون ريال عُماني في أحد عشر قِطاعًا متنوعًا، بما يُعَبِّر عن وعيٍ اقتصادي متقدمٍ يدرك أنَّ بناء المكانة السياسيَّة في عالم اليوم يبدأ من ترسيخ الثِّقة في الاقتصاد، وجعل المصالح المشتركة أساسًا للتقارب بَيْنَ الدول.

تحمل العلاقات العُمانيَّة الإسبانيَّة بُعدًا ثقافيًّا وإنسانيًّا عميقًا يمتدُّ عَبْرَ قرون من التواصل الحضاري، حيثُ تلتقي في ذاكرة التاريخ إشارات من الأندلس العريقة إلى الحاضر الَّذي تستعيد فيه السَّلطنة موقعها كجسر للتفاهم بَيْنَ الشرق والغرب. فالزِّيارة السَّامية تأتي لِتمنحَ هذا البُعد الثقافي طاقةً جديدة عَبْرَ مبادرات التعاون الأكاديمي والسياحي والإعلامي، وتؤكِّد أنَّ الحضور العُماني في أوروبا لا يُقاس فقط بمؤشِّرات الاستثمار، بل بالقدرة على بناء حوار إنساني متبادل يربط الشعوب بروح التسامح والمعرفة، ويبرز افتتاح مكتب التمثيل السياحي العُماني في مدريد مثالًا على هذا التَّوَجُّه؛ إذ يهدف إلى تعريف المُجتمع الإسباني بملامح الهُوِيَّة العُمانيَّة وثرائها التاريخي، وإبراز السَّلطنة كوجهة تنمويَّة وثقافيَّة تجمع بَيْنَ الأصالة والانفتاح، وتؤسِّس لمرحلة جديدة من الحضور الثقافي المتبادل في فضاءٍ أوروبي متعطش للمعنى الإنساني في العلاقات الدوليَّة.

إنَّ مسارات التعاون بَيْنَ سلطنة عُمان ومملكة إسبانيا تتقدم في مسارَيْنِ متكاملَيْنِ، يجتمع فيهما الاقتصاد والثقافة كوجهَيْنِ لمشروع واحد يُعَبِّر عن روح الدَّولة العُمانيَّة الحديثة ونهضتها المُتجدِّدة. فالرَّغبة المشتركة في توسيع الشراكات الاقتصاديَّة توازيها قناعة راسخة بأنَّ البُعد الثقافي الإنساني يُشكِّل أساسًا متينًا لأيِّ علاقة دائمة بَيْنَ الشعوب، والزِّيارة السَّامية تبرز هذا التَّلاقي بَيْنَ المنفعة والعطاء؛ إذ تجعل من الحوار الحضاري امتدادًا طبيعيًّا للتعاون التجاري، ومن المعرفة جسرًا يعبر فوق المصالح الآنيَّة نَحْوَ تفاهم إنساني أوسع.. ومن مدريد الَّتي تجمع في ملامحها ذاكرة الشرق والغرب، يتجدَّد الصوت العُماني حاملًا رسالة الدَّولة المتَّزنة الَّتي تؤمن بأنَّ التنمية لا تنفصل عن الثقافة، وأنَّ السَّلام يتحقق بالعقل الَّذي يدرك أنَّ الإنسان هو رأس المال الأوَّل في أيِّ نهضة حقيقيَّة.