السبت 01 نوفمبر 2025 م - 10 جمادى الأولى 1447 هـ
أخبار عاجلة

رأي الوطن : استمرار حرب الإبادة رغم اتفاق وقف النار

السبت - 01 نوفمبر 2025 04:00 م

رأي الوطن

20


تحوَّل اتفاق وقف إطلاق النَّار في غزَّة إلى عنوان رمزي، أكثر مِنْه تحوُّلًا ميدانيًّا حقيقيًّا! فالدَّم ما زال على الأرض، وصوت القصف ما زال حاضرًا في ذاكرة كُلِّ بيت، كأنَّ الهدنة لم تكُنْ سوى هدوء مصطنع يُخفي وراءه استمرار آلة القتل الصهيونيَّة؛ ذلك أنَّ مشهد غزَّة اليوم يعكس مأساة مدينة تُستنزف يومًا بعد يوم، تتنفس عَبْرَ الركام، وتكابد جراحها بَيْنَما ينتظر شَعبها معجزةً تُعِيد إليه حقَّه في الأمان. فالهجوم الصهيوني لم يتوقف، ويواصل استنزاف الأرواح الفلسطينيَّة في كُلِّ ساعة عَبْرَ حصار يمنع الغذاء والدواء وغارات متقطعة تزرع الموت في محيط المَدَنيين. ووقف النَّار في مفهوم القوَّة القائمة بالاحتلال يُمثِّل استراحة لإعادة التموضع، ومفهوم السَّلام الحقيقي لا يُمكِن أنْ يولدَ من مشروع يُقام على نفي الآخر ومَحْوِ وجوده من الوعي والجغرافيا معًا.

ويمتدُّ المشهد الإنساني في غزَّة لِيكشفَ عَبْرَ الأرقام حجم المأساة المستمرة.. فالهدنة الَّتي وقِّعت لم توقفِ القتل ولم تخفِّفْ من نزيف الأرواح؛ بدليل أنَّ أكثر من (210) شهداء سقطوا بعد الاتفاق، بَيْنَهم نساء وأطفال، وآلاف الجرحى يعيشون الألم بلا علاج بعد أنْ تحوَّلتِ المستشفيات إلى أنقاض، وأصبح الدواء محاصرًا عِندَ المعابر كما تُحاصر الأرواح تحت الركام، حيثُ ارتقى أكثر من (68) ألف إنسان منذُ بداية العدوان، و(170) ألفًا أصيبوا في أجسادهم وأحلامهم، وتحوَّلت غزَّة إلى مساحة تفيض بالموت والدَّمار، وهذه الأرقام تُمثِّل شهادة على استمرار الجريمة وغياب الرَّدع. فالقوَّة القائمة بالاحتلال تُواصِل القتل بوسائل مختلفة، من القصف إلى الحصار إلى التَّجويع، لِتتحوَّلَ الهدنة إلى غطاء يسمح بتمديد المأساة الفلسطينيَّة تحت عيون العالم.

وتتسع المأساة مع امتداد العدوان إلى الضفَّة الغربيَّة والقدس المحتلَّتَيْنِ، حيثُ يُواصِل الاحتلال مشروعه الاستيطاني في ظلِّ صمتٍ دولي يُثير الغضب. فإعلان أكثر من (30) ألف وحدة استيطانيَّة جديدة خلال عام واحد يعكس نيَّة واضحة لتفريغ الأرض من أصحابها، وإغلاق أُفق الدَّولة الفلسطينيَّة بالكامل. وعليه، ما يحدُث في الضفَّة والقدس جزء من المشهد نَفْسِه، فالقصف في غزَّة يقابله زحف استيطاني في الضفَّة، والهدف واحد يتمثل في اقتلاع الفلسطيني من أرضه وتغيير معالم الجغرافيا والتاريخ؛ لذا فوقفُ النَّار الحقيقي يَجِبُ أنْ يشملَ كُلَّ الأراضي الفلسطينيَّة المحتلَّة؛ لأنَّ استمرار العدوان في أيِّ منطقة يعني بقاء مشروع التصفية قائمًا، وتلك السياسة الَّتي تجمع بَيْنَ القصف والتوسُّع تُمثِّل الوَجْه الكامل للاحتلال، الَّذي يسعى إلى تثبيت واقع استعماري جديد يطمس الوجود الفلسطيني من الذاكرة والمكان.

إنَّ النِّداء الَّذي وجَّهه المندوب الدَّائم لدَولة فلسطين لدَى الأُمم المُتَّحدة يُعبِّر عن آخر ما تبقَّى من صوت فلسطيني يواجِه آلة دوليَّة صمَّاء تكتفي بالمشاهدة وتغضُّ الطَّرف عن جرائم الإبادة، فالدَّعوة إلى تحرُّك عاجل لوقفِ الانتهاكات وتنفيذ قرارات محكمة العدل الدوليَّة تُمثِّل اختبارًا حقيقيًّا لمصداقيَّة النِّظام العالمي الَّذي يدَّعي الدِّفاع عن حقوق الإنسان، واستمرار الصَّمت يمنح الاحتلال غطاءً لمواصلة القتل والحصار، ويحوِّل القوانين الدوليَّة إلى نصوص بلا روح. باختصار، فإنَّ العدالة لا تتحقق بالبيانات، وباتَ العالم مطالَبًا اليوم بإجراءات ملموسة تضع حدًّا للإفلات من العقاب وتُعِيد الاعتبار لكرامة الإنسان الفلسطيني، والمسؤوليَّة الأخلاقيَّة واضحة أمام الجميع، وصمود الفلسطينيين فعل حياة متجدِّد، يؤكِّد أنَّ الوجود حقيقة راسخة في التَّاريخ والوعي الإنساني معًا.