الأربعاء 29 أكتوبر 2025 م - 7 جمادى الأولى 1447 هـ
أخبار عاجلة

أخلاق المهنة فـي القرآن الكريم

الأربعاء - 29 أكتوبر 2025 02:14 م

يُعرّف الخُلُق في (القاموس المحيط): بأنه السجية والطبع والمروءة والدين، أما تعريفه اصطلاحياً، فهو هيئة راسخة في النفس تتصدر عنها الأفعال بيسر وسهولة من غير حاجة إلى فكر ورويِّة.

أما المهنة في اللغة فتعني الحذق بالخدمة والعمل، واصطلاحاً هي كل عمل يتطلب جهدًا بدنيًا أو فكريًا يمارسه الإنسان، عاكفًا عليه وحاذقًا فيه.

أما اصطلاح أخلاقيات المهنة فهو مجموعة النظم والقيم المحققة للمعايير الإيجابية العليا المطلوبة في أداء الأعمال الوظيفية والتخصصية وفي أساليب التعامل داخل بيئة العمل ومع المستفيدين، وفي المحافظة على صحة الإنسان وسلامة البيئة.

وهناك أربعة أنواع من الأخلاق الأساسية للمهنة، الأول:(خًلًق القوة) وهو القدرة على العمل أو التهيؤ الموجود في المرء، والقدرة البشرية بطبيعة الحال محدودة جدًّا، أما القدرة الربانية فهي مطلقة تفعل كل شيء دون عجز، والقوة الإنسانية هي تمكن الإنسان من الأفعال الشاقة، ولقد وصف الله تعالى ملائكته بالقدرة على فعل ما يأمرهم مما يدل على قوتهم الكبيرة نسبيًا، قال الله تعالى:(عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم ـ 6)، والثاني هو:(خًلًق الأمانة)، والأمانة مصدر كالأمان، أو اسم للمُؤْتَمن عليه، والأمان من الأمن، وهو ضد الخوف، فإذا أُزيل الخوف، وُجِد الأمن من المؤْتَمَن، وصار أمينًا مؤدّيًا لأمانته، وضد الأمانة الخيانة، وكل وديعة أمانة، فالعقل أمانة، والجسم أمانة، والعمل أمانة، والمال أمانة، والولد أمانة، يجب المحافظة عليها وتأديتها كما ينبغي وفق التعاليم الربانية من أمر واجب أو نهي واجب، لأن المودِع هو الله سبحانه وتعالى، فلا بد أن نطبِّق شروطه في الوديعة، لنؤديها إليه سالمة، كما كانت سالمة أيان ولادتنا، حيث وُلِدنا على الفطرة، ولم يكن إثم علينا فيها، قال الله تعالى:(إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) (الاسراء ـ 36)، وإتقان العمل من مقتضيات الأمانة، فلا يكون الأمين إلا متقناً، لأن الأمين هو الذي يحافظ على العمل تمام المحافظة حيث يشعر بمراقبة الله سبحانه وتعالى له، والأمانة تمنع التسيب في العمل، سواء التغيب فيه أو التأخير، أو إنجاز الأمور الشخصية أثناء العمل، لأن الأمين عادة ما يلتزم بالوقت ويستثمره في إنجاز مهامه الوظيفية، وهو يدرك بالرقابة عليه من قِبَل المسؤول عليه، وهذا يؤدي إلى إتقان العمل، وبالتالي بناء الحضارة الإنسانية الراقية، والأمانة لها دور في تسريع إنجاز العمل، فالعامل أو الموظف يقوم بالمحافظة على الوقت دون تضييع جزء منه، وعلى إيجاد المنافذ الصحيحة بسرعة لإنجاز العمل متغلبًا على الكلل والسأم، كما أن الأمانة توجب إنشاء علاقات طيبة مع الآخرين ضمن بيئة العمل فهو يمتثل تعاليم المسئول، وتجعله متعاوناً مع من يعمل معهم من الموظفين، ويقيم علاقات طيبة مع المراجعين فلا يعتدي على أحد ولا يشتم أحدًا، وكل ذلك يقع ضمن المحافظة على العمل، ويؤدي إلى التحلي بالأخلاق الفاضلة وبناء مجتمع رفيع متقدم، وتؤدي الأمانة إلى تجنب الأخطار والأخطاء في العمل، فالأمانة تعالج مشكلة الأخطاء والأخطار وتحمل العامل أو الموظف إلى انتهاج المنهج الصحيح النظيف المطابق لقوانين العمل ومهام العامل أو الموظف، والخُلُق الثالث هو:(خُلُق الحفظ)، ويُراد به القدرة على إدارة الذات والعمل بدقة وتحمل المسؤولية، وتسمى بـ(الكفاءة العملية)، ويُسمى الحفظ في الأداء المهني أو الإداري بمسمى المسؤولية وتعني الشعور بأداء الواجب والإخلاص في العمل، وتُطلَق كلمة (حفيظ) في القرآن على معنى عام وهو حفظ الإنسان على نعم الله تعالى بأداء شكرها للمنعم، وهو الله سبحانه وتعالى، قال تعالى:(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ، هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ) (ق 31 ـ 32)، وعلى معنى خاص وهو التدبير وحسن الإدارة، وحفظ العمل، قال الله تعالى:(قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) (يوسف ـ 55(، أما الخُلُق الرابع فهو:(خُلُق العلم)، وهو أساس العمل وأساس بناء المجتمع والدولة، ووصف الله تعالى النبيين الملكين سليمان وداود (عليهما السلام) بالعلم حيث قال سبحانه:(وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ، فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ) (الانبياء 78 ـ 79)، وجاء تعيين موسى (عليه السلام) في عمله على تخلقه بالقوة والأمانة، قال الله تعالى:(قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) (القصص ـ 26)، وجاء تأهل يوسف إلى وظيفة خزائن الأرض بالخلقين الحفظ والعلم، كما ذكرت آية يوسف السابقة ذلك.

علي بن سالم الرواحي

كاتب عماني