بَيْنَما يتركز الانشغال العام على مفهوم إدارة الأزمات، تظل إدارة الحيويَّة واحدةً من مفاهيم الظل الَّتي تتعرض إلى النسيان الجزئي إهمالًا لموجبات الرعاية الَّتي ينبغي أن تحظى بالمزيد من الانتباه. لماذا يتم نسيان التعاطي بشأنها؛ لأنَّ عنصر الاطمئنان على ما يجري يجعل الانتباه إلى إدارة الحيويَّة منخفضًا نسبيًّا بزعم أنَّ كُلَّ شيء على ما يرام، وطبقًا لدراسات ميدانيَّة تناولت كوارث احتلّ الخطأ البشري الصدارة بفعل تراجع الاعتناء بمنظومة الحيويَّة، والسؤال المستحَق هنا: ما هي مستلزمات استجلابها، بل، أيّ فرضيَّة سُلوك ينبغي اعتماده لجعلها واجبًا ينتظم مع حركة الحياة اليوميَّة؟ هل ما زالت وفق السياق؟ أم أنَّها انكمشت وتقتضي إعادة ضمِّها إلى مزاج العمل السائد؟ طبقًا للمفكر الأميركي عالم اللسانيَّات نعومي تشومسكي أنَّ الاطمئنان الزائد على ما أنتَ عليه يولِّد الخمول المعرفي، وهذا أحَد المخاطر الَّتي تكمن في الاستخدام المفرط للذكاء الاصطناعي على زعم أنَّ هناك مَن ينوب عنك في إدارة الأمور لصالحك. إنَّ أول مستلزمات إدارة الحيويَّة الانخراط في استيعاب عناصرها.. بمعنى مضاف، جعل الاهتمام بها جزءًا من اليَّات أيِّ مشروع قَيْد التشغيل. لقد تعرضت العديد من المشاريع التنمويَّة إلى التراجع نتيجة افتقاد الاهتمام بإدارة حيويَّتها، ومن ذلك معدَّلات إنتاج الطاقة الكهربائيَّة، أهليَّة الطُّرق المعبَّدة، التقيُّد بمواسم الصَّيد البَري والبحري لحماية هاتين البيئتين من الاستنزاف، الانتباه إلى إيقاعات أصوات المكائن، قياس الإقبال في الأسواق، وعلى مستوى العلاقات العامَّة قياسات التواصل، ومؤشِّرات أخرى تندرج ضِمن وقائع الانسيابيَّة. الخلاصة الاستنتاجيَّة إن لم يكن هناك مسح دَوْري لحيويَّة العمل يكُنِ الوضع عرضةً للمخاطرة. وإزاء ذلك يدعو الخبراء في اليَّات العمل إلى استحضار هامش ٍمن القلق المشروع الَّذي يرونه ضرورة بنيويَّة لا يُمكِن التنصُّل عنها بشرط المحافظة عليه ضمن نسبة معيَّنة من السيطرة والتقييس. إنَّ إهمال فحص حيويَّة العمل يصيبه بالضمور الحتمي، وإذا كانت السلامة من الكوارث تقتضي تقدير المتأتي والانتباه إلى مشغِّلات الإنذار المبكر وفرص التعويض يظلُّ الانشغال بالحيويَّة تجسيرًا للمستقبل. وتحضرني هنا وصيَّة الاطمئنان في الميثولوجيا المصريَّة (خلي في بطنك بطيخة) تعبيرًا عن الثقة دون احتمال الانتباه إلى إصابة البطيخة بالعفن. في السياق أيضًا، يكُونُ الفساد أحَد أخطر مقاتل الحيويَّة من زاوية أنَّ القائمين على المشروع يلجؤون إلى التستر لضمان سريَّة الكسب غير المشروع. وثمَّة سبب آخر وراء افتقاد الحيويَّة إذا كانت الإدارة القائمة ليست بالكفاءة المناسبة لمتطلبات النهوض بالعمل حتَّى وإن كانت ضمن متطلبات النزاهة. الحال، هناك تشخيصات معروفة على صعيد العالم أشَّرتها الأُمم المُتَّحدة تحت طائلة الانغلاق على منظومة عمل لا ترتقي إلى مستوى المنافسة مع الآخرين، الأمر الَّذي يجعل حيويَّته متخلفة عمَّا يتطلب النهوض والمثابرة.
لقد أصبحت المنافسة محركًا أساسيًّا للتنمية، كما أنَّ إيجاد موطئ قدَم لك في هذا العالم واحدٌ من السُّبل الكفيلة في تحقيق الاندماج مع الاقتصادات الأخرى من محتوى النديَّة التضامنيَّة، ومن مفردات ذلك التفاهم وتفهُّم الاقتصادات الأخرى من منطلقين أساسيين، منطلق أنَّك جزء من هذا العالم لك حقوق، وعليك واجبات تعايش، ومن منطلق المقارنة للاستفادة من الفروق لرفع مستوى الكفاءة.
إنَّ ضمَّ الحيويَّة إلى استمراريَّة العمل يُمثِّل واحدًا من أهم صمامات حماية انتظامه، وعندها فحسب تكُونُ إدارتها على ذات مستوى الاهتمام المكرّس لإدارة الأزمات.
عادل سعد
كاتب عراقي