تُعرف الدبلوماسيَّة الشَّعبيَّة في كثير من الجامعات الأجنبيَّة المتخصصة بالعلاقات العامَّة والإعلام بأنَّها الشّهاب الَّذي يراه كُلُّ البَشر بِدُونِ سابق إنذار. والقصد بذلك بأنَّ الدبلوماسيَّة الشَّعبيَّة هي (السَّبق الإعلامي من قِبل المواطن العادي). ويُعَدُّ هنا المواطن هو المراسل والمحرِّر والمصوِّر؛ لأنَّه سوف يبث الخبر بأقصى سرعة وضمن مصداقيَّة إن وجدت الدلائل والبراهين، كما أنَّها نتيجة ثورة الاتصال والتكنولوجيا، وتقوم بِدَوْر مهمٍّ في الاتصال بالشعوب الأخرى دون عوائق وضوابط.
أمَّا جامعة كاليفورنيا فتُعرِّف (الدبلوماسيَّة الشَّعبيَّة) Public Diplomacy بأنَّها: (وسيلة شفافة تتواصل من خلالها شرائح مختلفة من المُجتمع، سواء الحكوميَّة منها أو الخاصَّة أو الأهليَّة منها بعيدًا على المحتوى اللُّغوي (عِلم النَّحْو، وعِلم الكلمة)، وبعض الأحيان تتجاوز الحدود لتصبح إقليميًّا أو حتَّى دوليًّا بَيْنَ شعوب العالم؛ بهدف توعيتهم والتأثير فيهم، بغرض تعزيز المصلحة الوطنيَّة وتحقيق أهداف سياستها الخارجيَّة).
إنَّ العلاقات العُمانيَّة ـ التركيَّة ليست وليدة السَّاعة، وإنَّما هي علاقات تاريخيَّة عريقة وقديمة. وينظر حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ إلى العلاقات مع تركيا من زوايا مختلفة، حيثُ أسْهَم كُلٌّ من عُمان والدولة العثمانيَّة في توطيد الأمن والاستقرار في المنطقة لفترة طويلة من الزمن.
وكِتاب (عُمان في الوثائق العثمانيَّة) يوضح لنا كيف أسْهَمت الدولة العثمانيَّة في توطيد الاستقرار في النطاق الجغرافي الَّذي امتدَّت إليه، وتزامن ذلك مع احتدام الصراع العُماني ـ البرتغالي الَّذي بلَغ أشدَّه في القرن السابع عشر الميلادي والَّذي أفضى إلى تحرير السواحل العُمانيَّة ومنطقة الخليج ومناطق الامتداد العُماني في شرق إفريقيا، كما أنَّ الكِتاب أيضًا يكشف الوثائق والتقارير الرسميَّة بحجم المراسلات المتبادلة بَيْنَ سلاطين عُمان وحكام الدولة العثمانيَّة، إذ عملوا على إيجاد استقرار في المنطقة وتأمين الملاحة الدوليَّة الممتدة من عُمان إلى شرق إفريقيا وسواحل المحيط الهندي؛ ما ساعد على زيادة النشاط التجاري والسياسي.
كما ارتبط سلاطين عُمان بعلاقات جيِّدة وحظوا بمودَّة خاصَّة لدى حكَّام الدولة العثمانيَّة، تجلَّت في حفاوة الاستقبال والتقدير أثناء زياراتهم إلى إسطنبول، وفي المقابل حظيَتْ وفود الدولة العثمانيَّة بالاهتمام والترحيب الكبيرين أثناء زياراتهم لمسقط وزنجبار.
وغطَّت الصحف ووسائل الإعلام العُمانيَّة والتركيَّة والأجنبيَّة الزيارة التاريخيَّة الَّتي تفضَّل بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحرمه السَّيدة أمينة أردوغان في زيارة (دولة) لسلطنة عُمان استغرقت يومين.
وهنا لا أحبُّ أن أعرج على سِمات زيارة الدولة والنتائج الإيجابيَّة لكلا الشَّعبَيْنِ الصَّديقَيْنِ وما تحقَّق من توقيع اتفاقيَّات تصبُّ في مصلحة العلاقات الوطيدة بَيْنَ البلدين على مختلف الأصعدة، فهي ليست صلب عنوان المقال.
ونتطرق إلى الدبلوماسيَّة الشَّعبيَّة وتأثيرها في بيان مواصفات الهديَّة الثمينة الَّتي قدَّمها الرئيس التركي لجلالة السُّلطان، حيثُ تناقلت وسائل الإعلام الرسميَّة عن السيَّارة الكهربائيَّة وهي من فخر الصناعة التركيَّة وبمعلومات تكاد تكُونُ رسميَّة دبلوماسيَّة لا تتعدَّى سطرًا واحدًا أو (20) كلمة، بَيْنَما غطَّت الدبلوماسيَّة الشَّعبيَّة تفاصيل دقيقة حَوْلَ هذه الهديَّة الراقية من قِبل الرئيس التركي لجلالة السُّلطان.
كما هو معروف فإنَّ الدبلوماسيَّة الشَّعبيَّة هي صحافة المواطن، وهي الَّتي لا تخضع كثيرًا إلى تعليمات وشروط الإعلام الرسمي، وتبرق من هواتف المواطن دُونَ الخضوع إلى رقابة حكوميَّة، لذلك نرى كثيرًا من وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف مسمَّياتها توضح لنا مواصفات السيَّارة ومنها: شعارها على شكل دمج سهمين على شكل (هندسي معيَّن) يجمع بَيْنَ الثقافات الغربيَّة والشرقيَّة ويجمع بَيْنَ التكنولوجيا والناس واسمها (توغ) وهي اختصار من مجموعة مشاريع السيَّارة التركيَّة. وتزامنًا مع الذكرى الـ(99) لتأسيس الجمهوريَّة التركيَّة، تمَّ افتتاح المصنع بشكلٍ فعلي، وسُلمت المفاتيح للرئيس التركي في احتفاليَّة كبيرة أقِيَمت في أبريل ـ نيسان 2023م، ثم بدأ عرض السيَّارة للبيع، وتقديمها للمستخدمين، مجهَّزة ببطاريَّة من طراز (ليثيوم أيون) طويلة الأمد، ويتم شحن ما يصل إلى (80%) منها في (28) دقيقة، ويُمكِن للسيَّارة السَّير لمسافة تبلغ (500) كيلومتر بشحنة واحدة.
وهناك كثير من المعلومات حَوْلَ السيَّارة لم تعرج عليها بإسهاب وسائل الإعلام العُمانيَّة الرسميَّة، وإنَّما وسائل التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام الأخرى الَّتي غطَّت مواصفات السيَّارات، ودعمت الدبلوماسيَّة الشَّعبيَّة لإظهار ونشر مواصفات هذه السيَّارة؛ لذلك أدَّت صحافة المواطن ووسائل التواصل الاجتماعي دَوْرًا داعمًا للإعلام الرسمي في نشر تفاصيل أكثر حَوْلَ الهديَّة ليس من باب الدعاية للسيَّارة التركيَّة (توغ) فقط، وإنَّما من باب إظهار تفاصيل الهديَّة الثمينة الَّتي تلقَّاها جلالة السُّلطان هيثم من قِبل الرئيس التركي.
* (المصدر:
www.omandaily.om/ العلاقات العُمانيَّة ـ التركيَّة)
د. سعدون بن حسين الحمداني
دبلوماسي سابق والرئيس التنفيذي للأكاديمية الدولية للدبلوماسية والإتيكيت
 
                     
                        