الخميس 17 يوليو 2025 م - 21 محرم 1447 هـ
أخبار عاجلة

دور المجالس ومؤسسات المجتمع المدني فـي تأصيل العادات والسمت العماني لدى الناشئة

دور المجالس ومؤسسات المجتمع المدني فـي تأصيل العادات والسمت العماني لدى الناشئة
الاثنين - 01 يناير 2024 06:36 م

سيف بن خلفان الكندي

80

تمتاز محافظات وولايات سلطنة عُمان بعاداتها وقِيَمها الأخلاقيَّة وتقاليدها العريقة المستمدَّة من القِيَم الإسلاميَّة السَّمحة والعُرف العُماني الأصيل. تلك القِيَم والعادات المتوارثة جيلًا بعد جيل تلتقي جميعها تحت مظلَّة السَّمت العُماني الَّذي تبدو دلالاته واضحة جليَّة في سلوك الأفراد يتوارثها الأبناء عن الآباء والأجداد. وهنا يكمُن تأثير البيئة المحيطة على سلوك الفرد بدايةً من البيت، ومرورًا بالسَّبلة العُمانيَّة والمسجد وفي المدارس والمعاهد والجامعات، وفي القرى والأحياء السكنيَّة، وحتَّى على الصعيد الرَّسمي، وفي المشاركات الإقليميَّة والدوليَّة ينتقل العُماني بَيْنَها متمنطقًا لباس السَّمت والأخلاق النبيلة؛ لِيغدوَ نموذجًا يُحتذى به يحمل هُوِيَّته العُمانيَّة بأخلاقه الراقية أيْنما حلَّ وارتحل. ولعلَّ العائلة ترتبط بأثَرٍ بالغ في تنشئة الأبناء سلوكيَّا ومعرفيًّا وثقافيًّا، فهي انعكاس لِمَا يكتسبه الطفل من عادات وتقاليد جمَّة تؤثِّر على نمط سلوكه. تقول الباحثة الأكاديميَّة الدكتورة مريم مرعي أبو حميدة في دراستها المعنونة: «قراءة في الواقع التربوي والثقافي للطفل الفلسطيني» الَّتي تمَّ نشرها في مجلَّة البيادر، لقَدْ تفطَّن علماء الأنثروبولوجيا، وعلماء النَّفْس وكذا علماء الاجتماع إلى ذلك الرباط الروحي الَّذي يربط حركيَّة العائلة بعاداتها وتقاليدها على مرِّ الزمن والَّذي قَدْ يُشكِّل المخبأ الدَّائم الَّذي يعود إليه الفرد عِند كُلِّ أزمة أو كبوة لِيجدَ فيه الأمن والاطمئنان حماية لذاته ولهُوِيَّته الثقافيَّة والاجتماعيَّة المعرَّضة في كثير من الأحيان إلى هزَّات عنيفة وهجومات تدميريَّة. فقَدْ كانت فضاءات العادات والتقاليد الماديَّة مِنْها وغير الماديَّة عنوانًا وملجأُ تتستَّر فيه شخصيَّة العائلة، كما كانت رمزا للعائلة في خضمِّ المعارك الاجتماعيَّة والثقافيَّة الَّتي تخوضها يوميًّا أمام الممارسات الجديدة، وخصوصًا مِنْها تلك الَّتي يسودها ويُسيِّرها مبدأ التَّضاد والتناقض والتدمير. فبفعل عامل الاتصال والمواصلات والتفتح، فإنَّ العائلة المحليَّة مرشَّحة ثقافيًّا واجتماعيًّا للتعامل مع نمطَيْنِ جديدَيْنِ للممارسات الثقافيَّة والاجتماعيَّة الجديدة: عادات وتقاليد جديدة تحمل بَيْنَ طيَّاتها مبدأ الاندماج والمسايرة قَدْ لا تؤثِّر سلبًا على الكيان العائلي المحلِّي. عادات وتقاليد جديدة تحمل بَيْنَ طيَّاتها مبدأ التَّضاد والتغيير القوي، قَدْ تؤثِّر سلبًا على سلامة الكيان العائلي المحلِّي. وما سبق قَدْ ينطبق حتمًا على كافَّة الأُسر العربيَّة وحتَّى تلك الَّتي في المهجر. وفي السِّياق العُماني يقول الأديب سعود بن سالم العنسي في بحثِه بعنوان «العادات العُمانيَّة» الصادر عن مطبعة ما كان يُعرف في سلطنة عُمان بمُسمَّى وزارة التراث القومي والثقافة، بأنَّ الكيان الأوَّل للأُسرة هو الأصالة والتراث والهُوِيَّة والانتماء. وفي اعتقاد الكاتب فإنَّ ذلك لا يتحقَّق إلَّا بالتمسُّك القوي بالعادات والتقاليد الأصليَّة والمحليَّة وممارستها ممارسة حقيقيَّة حسب متطلبات الأحداث؛ لأنَّ العادات والتقاليد والأعراف هي حالات معنويَّة ذات علاقة روحيَّة عميقة الجذور بنَفْسيَّات النَّاس وقِيَمهم الثقافيَّة والاجتماعيَّة. فهي ساكنة في ضمائرهم ومنعكسة في أساليب سلوكهم. وممَّا سبق أعلاه نعْلَم جيِّدًا أنَّ العُمانيِّين جبلوا على احترام عاداتهم وتقاليدهم المُجتمعيَّة؛ لأنَّها كيانهم الأوَّل ومرجعيَّتهم للبقاء ضِمْن منظومة المُجتمع المتماسك. أمَّا على الصعيد الرَّسمي في سلطنة عُمان فتجد الاهتمام الكبير من أعلى قمَّة الهرم الإداري للدَّولة بصون منظومة القِيَم والأخلاق المُجتمعيَّة والثقافة العُمانيَّة. فالخِطاب السَّامي لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ بمجلس عُمان أشار فيه بكُلِّ وضوح إلى التحدِّيات الَّتي تتعرض لها المنظومة الأخلاقيَّة للمُجتمع وتأثيراتها عَلَيْها قائلًا: «إنَّنا إذ نرصد التحدِّيات الَّتي يتعرض لها المُجتمع ومدى تأثيراتها غير المقبولة في منظومته الأخلاقيَّة والثقافيَّة، نؤكِّد على ضرورة التصدِّي لها ودراستها ومتابعتها لتعزيز قدرة المُجتمع على مواجهتها وترسيخ الهُوِيَّة الوطنيَّة والقِيَم المبادئ الأصيلة، إلى جانب الاهتمام بالأُسرة؛ لكونها الحصن الواقي لأبنائنا وبناتنا من الاتجاهات الفكريَّة السلبيَّة الَّتي تخالف مبادئ دِيننا الحنيف وقِيَمنا الأصيلة، وتتعارض مع السَّمت العُماني الَّذي ينهل من تاريخنا وثقافتنا الوطنيَّة».. ويتضح جليًّا بأنَّ مضامين الخِطاب السَّامي جاءت تأكيدًا لِمَا يُولِيه جلالته شخصيًّا من أهمِّية بالغة في الحفاظ على منظومة الأُسرة العُمانيَّة بما فيها من القِيَم والعادات والأخلاق العُمانيَّة الَّتي تُعدُّ أحَد المُكوِّنات الأساسيَّة للثقافة العُمانيَّة الأصيلة ومكتسبًا لا يُمكِن التفريط فيه. وهنا يكمن دَوْر مؤسَّسات المُجتمع المَدَني والمجالس البلديَّة والتشريعيَّة الَّتي يجِبُ أن تعملَ جنبًا إلى جنب مع المؤسَّسات الاجتماعيَّة والتربويَّة في البلاد من أجْل تكريس المحافظة على تلك المنظومة ونشرها بَيْنَ الأجيال الناشئة، ويُمكِن تحقيق ذلك بشكلٍ علمي ممنهج عَبْرَ تنفيذ خطَّة وطنيَّة طويلة المدى لتكريس الجهود، سواء كان ذلك عَبْرَ الندوات التثقيفيَّة أو الدَّوْرات المكثَّفة الَّتي تستهدف طلبة وطالبات المدارس والكلِّيات والأندية الشبابيَّة أو عَبْرَ تأسيس منهاج تربوي يُعنى بمنظومة القِيَم والأخلاق النبيلة، ويُقدِّم جرعة توعويَّة مكثَّفة للنَّاشئة في مختلف المراحل العمريَّة لوقايتهم من أيِّ تأثيرات خارجيَّة. إنَّ إعداد خطَّة وطنيَّة طموحة وقابلة للتنفيذ تشترك في تأسيسها كافَّة مؤسَّسات الدَّولة ومؤسَّسات المُجتمع المَدَني باتَ أمرًا ملحًّا للحفاظ على استمراريَّة منظومة القِيَم والأخلاق، وتؤسِّس لمرحلة مقبلة من العمل الاجتماعي التربوي لمجابهة تحدِّيات العصر وما تمليه العولمة الحديثة من انسلاخ عن الفطرة البَشَريَّة، والابتعاد عن الهُوِيَّة الوطنيَّة وعن النهج السَّوي، حيث إنَّ لبعض التيَّارات الحديثة أجندات هدَّامة للقِيَم والعادات تحت شعارات زائفة وبرَّاقة تحت مظلَّة حُريَّة الرأي والاستقلاليَّة فتطفو على السطح ظواهر دخيلة على المُجتمع تحت عناوين مبهمة كالنَّسويَّة والمِثليَّة البذيئة وغيرها من المفاهيم الغوغائيَّة الَّتي لا يقبلها المنطق ولا تتقبلها الفطرة ولا العقل السَّوي. تلكم الظواهر يجِبُ التصدِّي لها مبكرًا ومحاربتها بسلاح الدِّين والعِلم وحماية أبنائنا بدرع القِيَم والعادات من أجْل القضاء على تلك الظواهر الدخيلة بحزم في مهدها قَبل استفحالها، ومكافحتها بالحكمة والعقل والمنطق السَّليم قَبل أن تنخرَ في أساسات المنظومة الأخلاقيَّة للمُجتمع. وهنا يأتي كذلك دَوْر التربويِّين في المدارس، والأكاديميِّين بالجامعات، وخطباء المساجد والوعَّاظ في تكثيف جرعاتهم التوعويَّة، خصوصًا ضِمن خطب الجمعة الَّتي يحضرها آلاف من الشَّباب من مختلف الفئات العمريَّة، لتحذير الشَّباب الناضج من مغبَّة انهيار المنظومة الأخلاقيَّة وتبيان الطُّرق المُثلى لمواجهة تلك التحدِّيات. من جانب آخر يكمُن دَوْر أفراد المُجتمع في تفعيل الغاية الأساسيَّة للسَّبلة العُمانيَّة، حيث لا يخفى على الجميع أهمِّية الدَّور الاجتماعي للسَّبلة الَّتي تنتشر مرافقها في كافَّة القُرى والأحياء السكنيَّة من غرس للقِيَم والأخلاق المُجتمعيَّة في عقول الشَّباب بما يُمكِن أن تقدِّمَه من الموروثات والآداب والفنون والتراث غير المادي والكثير من مفردات المنظومة.. ومنذ عقود خلت يحرص الأبناء من صغار السِّن على الجلوس في السَّبلة مع آبائهم وأقربائهم وكبار السِّن يستمعون إلى أحاديثهم ويكتسبون عادات السَّمت العُماني بداية من الالتزام بالزِّي العُماني المناسب، ومرورًا بطريقة الإنصات للمتحدِّثين بتمعُّن وآداب الحديث، وطريقة الجلوس في السَّبلة وأهمِّية الوقوف احترامًا للضَّيف عِند تحيَّته، وغيرها من العادات الحميدة الَّتي تربَّى العُماني على ممارستها منذ الصغر في الأفراح والأتراح وكافَّة المناسبات الَّتي جُبل عليها العُماني منذ القِدم.

الخطاب السَّامي لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ بمجلس عُمان خلال افتتاح دَوْر الانعقاد الأوَّل للدَّورة الثامنة لمجلس عُمان والعاشرة لمجلس الشورى، أشار فيه بكُلِّ وضوح إلى التحدِّيات التي تتعرض لها المنظومة الأخلاقيَّة للمُجتمع وتأثيراتها عليها... ومنذ عقود خلت تفطن علماء الأنثروبولوجيا، وعلماء النَّفْس وكذا علماء الاجتماع إلى ذلك الرباط الروحي الذي يربط حركية العائلة بعاداتها وتقاليدها على مرِّ الزمن والذي قَدْ يُشكِّل المخبأ الدائم الذي يعود إليه الفرد عِند كُلِّ أزمة أو كبوة لِيجدَ فيه الأمن والاطمئنان حماية لذاته ولهُوِيَّته الثقافيَّة والاجتماعيَّة.

سيف بن خلفان الكندي

مراسل (الوطن) بولاية نخل