تحوَّلت «اعتزالات» زعيم التيَّار الصدري مقتدى الصدر، وصراعاته السياسيَّة إلى صدارة المشهد السياسي العراقي، لِتشكِّلَ كُلُّ خطوة يعلنها تمهيدًا لقلب موازين القوى داخل البيت الشيعي وفي الساحة الوطنيَّة ككُلٍّ.
ظلَّ الصدر لاعبًا مؤثرًا ومثيرًا في الساحة السياسيَّة، إذ يلوِّح باعتزال السياسة كُلَّما بلغ الصراع ذروته، ثم يعود لرسم قواعد اللعبة بطُرق غير متوقعة.
بداية، صراع زعيم التيَّار الصدري، مقتدى الصدر، على الصعيد السياسي بدأ من العام 2010، بعد الموافقة على ترشيح رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، لولاية جديدة «ثانية»، رغم كونه كان يرفض هذا الترشيح نتيجة الخلافات الحادَّة الَّتي نشبت بَيْنَ الطرفين خلال فترة حكمه الأولى، والَّتي بلغت ذروتها في العام 2008 عندما أمر المالكي الجيش العراقي بمواجهة «جيش المهدي» التابع لمقتدى الصدر.
في عام 2010 حدثت أزمة سياسيَّة استمرَّت أشهرًا عدَّة عطَّلت تشكيل الحكومة، أعلن فيها الصدر انضمامه إلى تكتُّل يهدف إلى سحب الثقة من المالكي، وهو ما أضفى زخمًا كبيرًا على هذا التوجُّه السياسي، وأثار قلقًا داخل أوساط الحكومة، وانفجرت الأزمة في وقته فسَّرها مراقبون بمثابة انشقاق عن التحالف الوطني الشيعي الَّذي كان يضم مختلف القوى السياسيَّة الشيعيَّة.
وأثار هذا الموقف جدلًا واسعًا وهو تحوُّل الصدر إلى خصم سياسي بارز للمالكي، ما جعل العلاقة بَيْنَ الطرفين عنوانًا رئيسًا للتجاذبات داخل البيت السياسي الشيعي في تلك المرحلة.
وبعد عام على حكومة رئيس مجلس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، وتحديدًا في أيار/ مايو 2015 شهدت العاصمة العراقيَّة بغداد سلسلة من التظاهرات الشَّعبيَّة دعا إليها الصدر، حيثُ خرج الآلاف من أنصاره للمطالبة بإصلاح العمليَّة السياسيَّة ومحاسبة الفاسدين وإنهاء نظام المحاصصة الطائفيَّة والحزبيَّة، مؤكدًا أنَّه لن يكُونَ شريكًا للفاسدين وأعداء الشَّعب، وأنَّ هدفه هو عراق خالٍ من الفساد والتبعيَّة والطائفيَّة، وأنَّ دعوته لمقاطعة الانتخابات لم تكُنْ سعيًا لتأجيلها أو إلغائها، بل جاءت احتجاجًا على تفشِّي الفساد.
والسؤال: ما خيارات الصدر لمواجهة خصومه؟ أمامه ثلاثة سيناريوهات رئيسة للفترة المقبلة، أوَّلها: النزول إلى الشارع وإعادة نصب خيام الاعتصام والتصعيد الشَّعبي. الثاني: الذهاب نَحْوَ الموافقة المشروطة على الانتخابات، والقَبول بإجرائها في موعدها، مع دفع جمهوره إلى المقاطعة، ما سيؤدي إلى نسبة مشاركة متدنية.
ويراهن الصدر ـ بحسب هذه القراءة ـ على ضمانات دوليَّة غير مباشرة بعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات في حال كانت ضعيفة، لا سِيَّما مع مشاركة فصائل مُسلَّحة محظورة قانونيًّا ودوليًّا، وهو ما قد يفتح الباب أمام تشكيل حكومة طوارئ بعيدة عن حكومة محمد شياع السوداني. فيما يذهب الخيار الثالث نَحْوَ تأجيل الانتخابات، وهو المراهنة على تطورات مفاجئة وكبيرة في المنطقة قد تُجبر الحكومة والإطار التنسيقي على تأجيل الانتخابات.
وفي محاولة لاستمالة الصدر، فإنَّ الإطار التنسيقي الَّذي يضمُّ معظم الأطراف الشيعيَّة أرسل مبعوثًا شخصيًّا إلى الصدر، حاملًا عرضًا يتضمن موافقة الإطار على أن يُسمِّيَ الصدر شخصيَّة رئيس مجلس الوزراء مقابل عدم التدخل في مسار الانتخابات.
وما بَيْنَ اعتزالات الصدر وانعكاسها على المشهد السياسي يبقى الصدر لاعبًا مؤثرًا في موازين القوى وتحديد اتجاهات بوصلة الأحداث، مُلوِّحًا بخيارات الشارع الَّذي باتتْ بخيوطه بِيَدِه، ويسبِّب حرجًا للإطار التنسيقي.
أحمد صبري
كاتب عراقي