كتبت ـ ثريا الكلبانية :
منذ انطلاقة النهضة المباركة، شكّلت المرأة العُمانية حضورًا فاعلًا في مختلف ميادين العمل الوطني، وأسهمت بعلمها وجهدها في بناء مجتمع متوازن ينهض بالوطن والإنسان معًا، وفي منظومة الأمن، كان حضورها علامة فارقة، إذ التحقت بجهاز شرطة عُمان السلطانية لتؤدي واجبها جنبًا إلى جنب مع زملائها الرجال، مساهمةً في حفظ النظام وصون القيم وتعزيز روح الخدمة العامة.
لقد أثبتت المرأة الشرطية عبر العقود أنّ العطاء لا يرتبط بنوع العمل بل بنُبل الهدف، فكانت في الميدان، وفي مراكز التدريب، وفي المختبرات، وفي قاعات التحقيق والإعلام، مثالًا للالتزام والانضباط والمعرفة، واليوم، يُحتفى بها في يوم المرأة العُمانية ( 17 أكتوبر) تقديرًا لدورها المتنامي في خدمة الأمن والمجتمع، واستمرارًا لمسيرة وطنٍ آمنٍ منحها الثقة فبادلتها وفاءً وجهدًا وإخلاصًا.
وقالت شريفة بنت علي التوبية درجة مدنية (3) متقاعدة : ذاكرة العطاء وبصمة الريادة في مسيرة المرأة الشرطية
في يوم المرأة العُمانية الذي تتجدد فيه معاني التقدير والاعتزاز بعطاء المرأة في مختلف ميادين العمل الوطني، تبرز الدرجة مدنية (3) المتقاعدة شريفة بنت علي التوبية بوصفها إحدى الرائدات اللاتي أسهمن في تأسيس حضور المرأة داخل جهاز شرطة عُمان السلطانية، ومثّلن نموذجًا مبكرًا للمشاركة النسائية في العمل الأمني.
التحقت التوبية بجهاز الشرطة عام 1995م بعد حصولها على درجة البكالوريوس في علم الاجتماع من جامعة السلطان قابوس، لتبدأ مسيرتها العملية في الإدارة العامة للسجون حيث عملت أخصائية اجتماعية مع السجينات، في مرحلةٍ كان العمل الإصلاحي خلالها يتطلب جهدًا ميدانيًا ومهارات إنسانية خاصة.
وخلال فترة عملها، ساهمت شريفة التوبية في تطوير البرامج الاجتماعية والتعليمية داخل المؤسسات الإصلاحية، من خلال طرح أفكار ومقترحات أسهمت في تنفيذ مبادرات بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، كإدخال برامج دراسية مخصصة للنزيلات، وتوفير مكتبة تُعزز الجانب الثقافي والتعليمي، وجاء ذلك ضمن جهود شرطة عُمان السلطانية الرامية إلى تطوير منظومة الإصلاح والتأهيل، وتحسين بيئة العمل داخل المؤسسات الإصلاحية بما يواكب التوجهات الإنسانية والتنظيمية الحديثة.
وانتقلت لاحقًا إلى إدارة العلاقات والإعلام الأمني حيث تولّت إدارة تحرير ملحق “الشرطي الصغير”، وهو أول إصدار موجه للأطفال يصدر عن شرطة عُمان السلطانية، شاركت في إعداد خطته التحريرية وتنظيم هيكله وفريق عمله، وأسهمت في تطوير محتواه ليكون وسيلة توعوية تُعزز التواصل بين الشرطة والمجتمع بأسلوب تربوي ميسر.
واختتمت شريفة التوبية مسيرتها بعد سنواتٍ من العمل المتواصل في مجالي العمل الاجتماعي والإعلام الأمني، وقد عاصرت خلالها مراحل التطور التي شهدتها الشرطة النسائية منذ بداياتها الأولى. وترى أن نجاح المرأة في جهاز الشرطة هو ثمرة تعاون وتكامل الجهود بين مختلف الإدارات، وأن استمرار هذا النجاح يعتمد على الالتزام بالمهنية وروح الفريق الواحد.
وفي حديثها بمناسبة يوم المرأة العُمانية، تقول: “الشرطة كانت مدرستي الأولى في القيادة، والكتابة كانت مرآتي التي رأيت فيها نفسي. واليوم، وأنا أتابع المسيرة من بعيد، أشعر أن كل شرطية في الميدان امتداد لرحلتنا، ومرآة لوطن لا يتوقف عن منح المرأة الثقة والفرص.”
فيما أعربت الرائد ابتسام بنت غابش الهدابية : تُجسّد الرائد ابتسام بنت غابش بن زايد الهدابية من مرتب قيادة شرطة محافظة مسقط إدارة التحريات والبحث الجنائي صورة المرأة العُمانية التي واصلت أداء واجبها الأمني بكل التزام وكفاءة، مساهمةً في ترسيخ حضور المرأة في مختلف التخصصات الشرطية، ومؤكدةً أن العمل الأمني مجال يتسع للعطاء والمسؤولية معًا.
التحقت بجهاز شرطة عُمان السلطانية في مارس من عام 2001م، وبدأت مسيرتها العملية في عدد من المراكز الشرطية بمحافظة مسقط، منها العامرات والخوض والعذيبة، ثم انتقلت إلى مركز شرطة مطرح، وتشغل حاليًا رئيس قسم البحث والتحري بالمركز، إضافة إلى إشرافها على قسم البحث والتحري بمركز شرطة مسقط.
على مدى أكثر من عقدين، تنوعت مهامها بين مجالات التحري والتحقيق وإدارة فرق العمل، مكتسبة خبرة عملية في التعامل مع مختلف القضايا ذات الطابع الجنائي. وقالت سعت منذ بداياتها إلى الجمع بين العمل الميداني والدراسة الأكاديمية، فحصلت على درجة البكالوريوس في القانون من جامعة بيروت العربية، ثم نالت درجة الماجستير في الحقوق من جامعة الإسكندرية، وأكملت دراستها العليا بحصولها على درجة الدكتوراه في الحقوق عام 2023م من جامعة طنطا بجمهورية مصر العربية عن أطروحتها المعنونة بـ “اختصاصات المحكمة الدستورية: دراسة مقارنة بين سلطنة عمان ومصر”.
وفي جانبٍ آخر من مهامها، تمارس الرائد ابتسام عملها كمحامية عسكرية بعد تسجيلها رسميًا في سجل المحاماة بالإدارة العامة للموارد البشرية، لتكون أول محامية عسكرية من العنصر النسائي في المؤسسات الأمنية والعسكرية بالسلطنة، وتُعَد هذه التجربة امتدادًا لدورها القانوني في تقديم المشورة وتمثيل القضايا أمام المحاكم العسكرية بمختلف درجاتها.
وفي إطار مسؤولياتها كضابط تحرٍ، تشرف على إجراءات البحث وجمع الاستدلالات واستجواب المشتبه بهم والشهود، وإعداد التقارير اللازمة بالتنسيق مع الادعاء العام والجهات الفنية المختصة. وتؤكد أن العمل في مجال التحريات يتطلب دقةً في الملاحظة، وصبرًا في المتابعة، والتزامًا تامًا بأخلاقيات المهنة.
وترى أن تطور حضور المرأة في شرطة عُمان السلطانية جاء نتيجة الدعم المستمر الذي تحظى به من القيادة الشرطية، وإيمانها بقدرة الكوادر النسائية على أداء مهامها بمهنية واقتدار. وتقول:
“العمل في المجال الأمني مسؤولية تتطلب الدقة والانضباط، وهو عمل جماعي يكمّل فيه كل فرد الآخر من أجل تحقيق العدالة وخدمة المجتمع.”
وتؤكد في ختام حديثها أن ما وصلت إليه المرأة في جهاز الشرطة هو نتاج مسيرة ممتدة من الجهد والإخلاص، وأن الحفاظ على هذا النجاح يتطلب استمرار التطوير، والتمسك بالقيم المؤسسية التي قامت عليها شرطة عُمان السلطانية منذ تأسيسها.