الأحد 26 أكتوبر 2025 م - 4 جمادى الأولى 1447 هـ
أخبار عاجلة

نبض المجتمع : حقوق الكفيل الصعبة

نبض المجتمع : حقوق الكفيل الصعبة
الأحد - 26 أكتوبر 2025 11:59 ص

د. خصيب بن عبدالله القريني

20


يُمثِّل موضوع الحقوق والواجبات والَّتي تندرج ضمن منظومة القوانين والتشريعات لأيِّ مُجتمع حجر الزاوية في إيجاد توازن ما بَيْنَ طرفَي أيِّ عَقد، بحيثُ تَضْمن في النهاية حقَّ كُلٍّ مِنهما وفْقَ منهجيَّة عادلة وسلسة، قائمة على أُسُس واضحة دون تعقيد، وبحيثُ لا تعطي حقًّا لأحد بنمط يختلف عن الآخر؛ بمعنى أنَّ الحصول على الحقِّ يتطلب إجراءات متشابهة ومتطابقة من حيثُ السهولة والوقت، فلا يُمكِن أن أعطيَ طرفًا الفرصة بأن يأخذَ حقَّه بسهولة تامَّة وبدون إجراءات معقَّدة، وفي المقابل أوجد من التشريعات والإجراءات المعقَّدة الَّتي تَحُول دون حصول الطرف الآخر على حقوقه بنفس سهولة حصول الطرف الأول! هنا منطقيًّا لا يُمكِن أن نقولَ إنَّ هنالك إنصافًا بَيْنَ الطرفين، فالأمر ليس مجرَّد كتابة عَقد وتحديد ما لكُلِّ طرف على الآخر، بل يتعدى ذلك نقطة جوهريَّة تتمثل في كيفيَّة الحصول على هذه الحقوق.

قَبل حوالي نصف عام هربتْ عاملة منزل كانت تعمل لديَّ بعَقدٍ موثَّق في الوزارة المختصَّة، وهنالك شرط واضح وصريح في العَقد يوضح بأنَّ العاملة إذا هربتْ فإنَّها تتحمل كُلَّ تبعات ذلك الهروب وما يترتب عليه. ولكن عند أول اختبار لتطبيق العَقد تغيَّرت الأمور، وتمَّت مطالبتي أنا بأنْ أدفعَ رسوم بلاغ الهروب، ووضع مبلغ لتذكرتها للعودة لبلادها عند إلقاء القبض عليها من قِبل الجهات المعنيَّة، لماذا كُلُّ ذلك؟ مَن الَّذي أخلَّ بالعَقد؟ هل أنا أم هي؟ إذًا لماذا لا تكُونُ هنالك جهة تستقطع من راتبها الشهري أو من المبلغ المقدَّم للمكتب الَّذي استقدمها لِيكُونَ ثمنًا للتذكرة إذا هربتْ، وإذا لم تهرب يكُونُ هذا المبلغ من حقِّها عند المغادرة؟ لماذا أضطرُّ أنا ككفيل لهذه العاملة أنْ أدفعَ مأذونيَّة أخرى لأقومَ باستقدام عاملة جديدة؟ أين هي حقوقي هنا أيضًا؟ مَن الَّذي أجبرني أنْ أدفعَ هذه المبالغ؟ هروبها وإخلالها بالعَقد طبعًا. إذًا لماذا لا تتحمَّل هذا الأمر؟ هل هي لها حقوق وأنا ليس لي هذه الحقوق؟ وأين يحدُث هذا الأمر؟ في بلدي، الَّتي يَجِبُ أنْ توجدَ آليَّة سهلة لحفظ حقوقي كمواطن أولًا، ثم حقوق العامل، لا أنْ يكُونَ للعامل حقوق ونحن بلا حقوق. والأمر في هذه القصَّة لا يتوقف هنا فقط، فعند الرغبة في استرداد حقوقك فإنَّ الأمر ليس يسيرًا. طبعًا العاملة تمَّ إلقاء القبض عليها وترحيلها على حسابي دون إبلاغي بالأمر، وبدون محاسبة لها على الإخلال بالعَقد! وعندما استفسرت عن الآليَّة الَّتي يُمكِن من خلالها محاكمة العاملة واسترداد المبالغ الَّتي صرفتُها بدون ذنْب ـ سوى أنَّها هي مَن أخلَّتْ بالعَقد ـ، فإذا بي أتفاجأ من صاحب المكتب يطلب منِّي إذا أردتُ استرداد حقِّي أنْ أفتريَ على العاملة وأتَّهمها بسرقة مبالغ منِّي، وذلك بإبلاغ الشُّرطة وعمل محضر للأمر، وعند القبض عليها لن يتمَّ تسفيرها إلَّا بعد أن تسجنَ وتدفعَ هذه المبالغ، فقلتُ له لا تسمح أخلاقي مهما كان أنْ أقومَ بهذا الأمر، وحتَّى لو قمتُ بها فسيتمُّ سجنها مدَّة معيَّنة وستدَّعي بأنَّ ليس لدَيْها المال الكافي وسيتمُّ تسفيرها على حسابي الَّذي دفعتُه مسبقًا! إذًا ما الجديد؟ وماذا استفدتُ أنا من كُلِّ ذلك؟ فالخسارة واضحة ولا بُدَّ أن تدفعَ وإلَّا ستقع تحت طائلة القانون لو تمَّ القبض عليها ولم تقُمْ بالتبليغ عنها! إنَّنا أمام معضلة حقيقيَّة تتمثل في صعوبة أخذ حقِّك من هذا العامل، في مقابل سهولة حصوله هو على حقوقه، ثم يأتي القانون الجديد الَّذي تمَّ تداوله لِيزيدَ الطِّين بلَّة على الكفيل، فنحن لسنا ضد أن يأخذَ أيُّ عامل حقَّه، ولكن يَجِبُ أنْ يأخذَ الكفيل حقَّه أيضًا وبنفس السهولة والإجراءات الَّتي يأخذ بها العامل حقَّه. وإذا كان القانون يَضْمن لعاملة المنزل إجازة سنويَّة مدفوعة الأجر مع تذكرة ومبلغ نهاية خدمة فحَرِيٌّ بالجهات المختصَّة أنْ تَضْمنَ للعامل العُماني في الشركات الخاصَّة هذا الأمر أيضًا، حتَّى تكُونَ المنظومة متكاملة وعادلة وشفَّافة. إنَّ المشاكل المتجذرة في العلاقة بَيْنَ الكفيل وعاملة المنزلة ليس وليدة اليوم، بل هي مستمرة منذ سنوات دون حلول واقعيَّة! وهنالك تجربة متميزة في إحدى الدول الخليجيَّة الَّتي تتشابه في تركيبتها السكانيَّة والاجتماعيَّة معنا، وتتمثل في وجود نظام يَضْمن الحقَّ بَيْنَ الطرفين في أنْ يودعَ الكفيل المبلغ المتَّفق عليه لمدَّة سنتين ويظلُّ هذا المبلغ في حساب الجهة المنظِّمة للعلاقة، ولو هرب العامل بعد سنة فإنَّ نصف المبلغ يرجع له، ولو هرب قَبل انتهاء العَقد بشهر فيتمُّ إرجاع قِيمة ذلك الشَّهر للكفيل وهكذا دون أن يتمَّ بخس أيِّ طرف حقَّه. كما أنَّ وجود شركات تتبنَّى هذه العمالة وتنظِّم عملها بالسَّاعات والأيَّام سيكُونُ نمطًا جديدًا وجيِّدًا من العمل يَضْمن حقوق الجميع ويسهِّل على المستهلك تكبُّد عناء مبالغ طائلة لا تستدعي كُلَّ ذلك، في ظلِّ وضع اقتصادي يتطلب تغيُّرات تتواكب مع الظروف المستجدَّة والتطورات المتلاحقة عالميًّا ومحليًّا.

د. خصيب بن عبدالله القريني

[email protected]