أعاد المشهد السياسي الَّذي صاحب مصادقة الكنيست بالمناقشة التمهيديَّة على قانون فرض السيادة «الإسرائيليَّة» على الضفَّة الغربيَّة المُحتلَّة والتراجع «الإسرائيلي» بعد المعارضة الأميركيَّة، التأكيد على الرؤية الاستشرافيَّة للرئيس المصري الراحل أنور السادات بأنَّ (99%) من أوراق اللُّعبة المتعلقة بحلِّ القضيَّة الفلسطينيَّة في يد الولايات المتحدة، ما يستدعي التعامل مع هذا الأمر كمنطلق لكافَّة جهود حل القضيَّة.
فقد وجَّه الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضربة مباشرة لحكومة بنيامين نتنياهو، مهدِّدًا بوقف كامل للدعم الأميركي في حال مضتْ «إسرائيل» في مشاريع ضمِّ الضفَّة الغربيَّة في خطوة وُصفت في الأوساط «الإسرائيليَّة» بأنَّها «صفعة سياسيَّة» من الحليف الأوثق ليردَّ مكتب رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بسرعة، معتبرًا أنَّ تصويت المعارضة على مناقشة قوانين الضَّم «استفزاز متعمد» هدفه إرباك زيارة المسؤولين الأميركيين. وكان القرار حاسمًا بـتعليق كُلِّ مشاريع القوانين الخاصة بفرض السيادة «الإسرائيليَّة» على الضفَّة الغربيَّة «حتَّى إشعار آخر».
وهذا المشهد السياسي يكشف أنَّ الولايات المتحدة كانت ولا تزال تمتلك النفوذ الأكبر في تحديد اتجاهات الصراع في المنطقة. عندما يلوِّح رئيس أميركي بوقف الدعم، فإنَّ «إسرائيل» لا تتجاهل ذلك، وهذا يُثبت أنَّ أوراق الضغط الأساسيَّة المرتبطة بالسلام والاستقرار والقرارات السياديَّة «الإسرائيليَّة» في يد واشنطن. أي معادلة سلام لن تكُونَ قابلة للحياة ما لم تكُنِ الولايات المتحدة طرفًا رئيسًا وراعيًا مباشرًا لها.
أمَّا الحقيقة الثانية فمفادها أنَّ هذا النفوذ الأميركي ليس ثابتًا، بل يتشكل بناء على مصالح وقرارات سياسيَّة في البيت الأبيض. بمعنى أنَّ واشنطن قادرة ـ عندما تريد ـ على تحريك ميزان القوَّة وتعديل السلوك «الإسرائيلي»، وهذا ما يوجب علينا فهمه والتعامل معه من خلال تعزيز الشراكة مع الولايات المتحدة على أساس المصالح المشتركة والواقعيَّة، بالإضافة إلى العمل الجماعي العربي بدل المواقف الفرديَّة، حيثُ إنَّ الصوت الموحَّد أكثر قدرة على تشكيل قناعة في الإدارة الأميركيَّة بأنَّ تحقيق سلام عادل يخدم مصالحها أيضًا وهو ما تجلى في جهود وقف إطلاق النار في غزَّة.
ويكتمل ذلك أيضًا بالاستثمار في التواصل مع دوائر صنع القرار الأميركيَّة ليس فقط البيت الأبيض، بل الكونجرس ومراكز الأبحاث والإعلام. فصناعة الرأي في الولايات المتحدة عامل مهمٌّ في رسم سياستها الخارجيَّة على أن يكُونَ ذلك مدفوعًا بصياغة رؤية عربيَّة للسلام قابلة للتطبيق.
هيثم العايدي
كاتب صحفي مصري