أهداني الأخ الدكتور مثنَّى حارث الضاري هديَّة ثمينةً خلال زيارتي الأخيرة للعاصمة الأردنيَّة. وكما وجدتُها ثقيلة الوزن، فقد تصفَّحت بعض العناوين في المجلَّد الكبير الَّذي يقع في أربعة أجزاء، فوجدتُه غنيًّا جدًّا بمواده المتنوِّعة الَّتي تندرج تحت العنوان العام للمجلَّد:
«الحركتان العلميَّة والفكريَّة في العراق في العصر الحديث».
وقد صدر هذا المنجز العلميّ الكبير عن «مؤسَّسة البصائر للدراسات والنشر»، الَّتي طالما قدَّمت للقارئ بحوثًا ومؤلَّفاتٍ جديدة ومفيدة، في سعيٍ جادٍّ لسدِّ بعض الفجوات في هذا الجانب أو تلك الفسحة المعرفيَّة.
تضمَّن المجلَّد بأجزائه الأربعة بحوثًا سبق عرضها ومناقشتها في «ندوة علميَّة» أقامتها «هيئة علماء المسلمين في العراق»، شارك فيها عدد كبير من الباحثين المتخصِّصين في مختلف العلوم. وكانت لي مشاركة في المؤتمر ببحثٍ بعنوان:
«الترجمة في العراق وآفاق المعرفة في العصر الحديث».
ما تنبَّهتُ إليه وأنا أتصفَّح أجزاء المجلَّد أنَّ الموضوعات الَّتي طرحها الباحثون شملت جميع ما يخطر ببال الباحث والقارئ. وجاء في تقديم الإصدار الَّذي كتبَه الدكتور عمر مكي، رئيس القسم العلمي في هيئة علماء المسلمين، قوله:
«كان من غايات عقد هذا المؤتمر العلمي واختيار عنوانه، إبراز مفاخر بلدنا العراق في القرون الخمسة المتأخِّرة، وإظهار فضائل علمائه وأقلام أدبائه الَّذين ملأوا بيض القراطيس بمحاسن الألفاظ والمعاني، وفي شتَّى العلوم من منقولٍ ومعقول».
ولم يترك القائمون على التحضير للمؤتمر زاوية إلَّا واختاروا باحثًا للخوض فيها، والغوص في أعماقها، وسَبر أغوارها.
تضمَّنت البحوث والنقاشات دراساتٍ في ميادين «التفسير وعلوم القرآن، والحديث النبوي وعلوم السنَّة، والفِقه وأصوله، وتأريخ التشريع، والعقائد والأديان والفرق، والفكر السياسي الإسلامي، والقانون والقضاء، وخدمة التراث وتحقيقه، والخط العربي وجماليَّاته، والصحافة والإعلام، وأعلام الحركتين العلميَّة والفكريَّة، والمؤسَّسات الشرعيَّة والمدارس العلميَّة والأُسَر العلميَّة» وغيرها.
ولا شكَّ أنَّ العمل على تسليط الأضواء على حركةٍ علميَّة وفكريَّة ومعرفيَّة في بلدٍ مثل العراق، وخلال حقبةٍ تمتدُّ لخمسة قرون، ليس بالأمر السهل. بل إنَّ مجرَّد التفكير بطرح هذه المهمَّة ومناقشتها يُعَدُّ مغامرةً واسعة، خصوصًا في ظروفٍ صعبةٍ كالَّتي تعيشها هيئة علماء المسلمين، والغربة الَّتي فُرضت قسرًا على أغلب قياداتها الَّذين يعانون الكثير في هذه المرحلة العسيرة.
لكنَّ الجهد المنجَز والإخراج الفني الجميل والطباعة الأنيقة، كُلُّها تكشف عن حجم الجهود المبذولة من القائمين على هذا المشروع التاريخي الواسع.
تجد في هذا المنجز العلمي عشرات العناوين لعشرات الباحثين والكتَّاب، وفي كُلِّ بحثٍ تبحر في عالمٍ واسعٍ يُمكِن اعتباره كتابًا متكاملًا، إن لم نقُلْ إنَّه يفتح نوافذ جديدة على قضايا ومعالم علميَّة ومعرفيَّة وتاريخيَّة متنوِّعة.
إنَّ فكرة المؤتمر ـ كما جاء في مقدِّمة المجلَّد ـ تنطلق من واقع «الحالتين العلميَّة والفكريَّة في العراق خلال القرون الخمسة الأخيرة»، اللَّتين لم يُعنَ بهما العناية الكافية، على الرغم من الجهود الكبيرة الَّتي بذلها كثير من الباحثين.
ويُمكِن القول بحقٍّ: إنَّ هذا الجهد قد سدَّ فراغًا معرفيًّا كبيرًا.
وليد الزبيدي
كاتب عراقي